إبادة اقتصادية شاملة... أميركا تنفذ إجراءات انتقامية ضد الأفغان على مرأى ومسمع العالم

وصلت الأوضاع المعيشية في أفغانستان إلى مستويات كارثية بكل معنى الكلمة، وقد دفع الجوع والبرد الناس هناك إلى حلول "لا يمكن تصورها"؛ حيث نجد هذا يحرق أثاث بيته لكي يتدفأ وذاك يبيع أطفاله لكيلا يموت من الجوع.

أما عن السبب وراء ذلك، فهو ليس افتقار البلد للموارد (أفغانستان من أغنى دول المنطقة بالموارد الطبيعية والثروات)، وليس الديون والقروض أو العقوبات الاقتصادية؛ فالطريقة التي يتصرف بها الغرب مع أفغانستان لا يمكن وصفها بالعقوبات، بل هي "انتقام بدم بارد" كما يؤكد مراقبون.

قرارٌ حمل "أعلى درجات الانحطاط":

لم يكن هذا الانتقام الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية على مرأى ومسمع العالم أجمع، مقتصرًا على الحصار والحظر والقيود، بل إنها قامت أيضًا بالسطو على مليارات الأفغان ومقدراتهم من الدولار الكاش.

وفي هذا الصدد، أكدت وكالة "رويترز"، نقلًا عن مصادر أميركية، أن الرئيس "جو بايدن" قد وقع في 11 من شباط الحالي، مرسوما يسمح "بالتصرف" في ودائع الدولة الأفغانية المجمدة بالمصارف الأميركية، والمقدرة بـ 7 مليارات دولار، إذ سيتم تخصيص نصفها لتعويض عائلات ضحايا تفجير 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وردا على قرار "بايدن"، قال المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان إن سرقة أموال الشعب الأفغاني التي جمدتها الولايات المتحدة والتصرف فيها "تدل علی أعلی مستوى انحطاط".

وأضاف المتحدث، في تغريدة، أن "الهزيمة والنصر واردان في تاريخ البشرية، لكن الهزيمة الكبری والفاضحة أن يجرب بلد أو شعب ما، هزيمة عسكرية وأخلاقية معا".

ماذا يعني تجميد 7 مليارات دولار؟

لو قلنا إن الفرد الأفغاني الفقير يحتاج بالمتوسط 2 دولار يوميًا، ما بين غذاء ودواء ولباس ومأوى، أي أن عائلة من 5 أفراد ستحتاج سنويًا 3500 دولار للمعيشة بحد الكفاف. بعملية حسابية بسيطة سنجد أن 7 مليارات دولار ستكفي لتأمين متطلبات الحياة الأساسية من أجل مليوني عائلة أفغانية على حافة الهلاك، لعامٍ كامل.

وتأسيسًا على ذلك، فإن مصادرة هذه الأموال سيكون بمعنى إهلاك مليوني عائلة أو 10 ملايين إنسان، وهي جريمة أكبر من أي جريمة حرب أخرى في التاريخ الحديث. فحتى القنابل النووية التي استهدفت اليابان في الماضي (هيروشيما وناكازاكي) قتلتا عددًا يتراوح بين 120-200 ألف إنسان فقط.

ويحذر خبراء الاقتصاد من قرار الرئيس الأمريكي "المدمر"، فمصادرة الاحتياطيات وإصابة البنك المركزي لبلدٍ ما بالشلل، سيولد أزمةً لن يستطيع أي قدرٍ من المساعدات أن يوقفها.

أما صحيفة "الإنترسبت" الأمريكية، فقد وصفت قرار "بايدن" بتجميد الأموال الأفغانية بأنه "يرقى إلى إبادةٍ جماعية"، وحذرت أنه سيتسبب بوفياتٍ ودمار أكثر مما تسببت به 20 عامًا من الحرب.

لمن سيعطى هذا المال حقًا؟

إذا كنت تعتقد أن من سيحصل على هذا المال هم فقط الأسر الأمريكية المرفهة التي عُوضت عشرات المرات عن حادثة 11 سبتمبر، فأنت مخطئ.

على خلاف ذلك، تؤكد صحيفة "الإنترسبت"، أن مجموعةً من المحامين وجماعات الضغط الذين يحترفون تصيد الأموال يقاتلون من أجل الحصول على حصتهم من هذه المليارات.

هل هذه القضية هي قضية أفغانستان فحسب؟

يحذرنا أهل الاختصاص ألا يرى أحدنا نفسه غير معني بهذه القضية لأنه جالسٌ في بيت آمن وفي بلد قوي، بل إن المركزية المالية الغربية قد وصلت إلى "مرحلة التوحش" والقدرة التي يمتلكها كبار العالم على التحكم بأرزاق الناس ومقتدرات الدول، هي "قدرة مخيفة" ويمكن أن تكون أقوى من أي سلاح دمارٍ شامل على وجه الأرض.

ويفهم كل من درس الاقتصاد أو اطلع عليه هذا الكلام جيدًا، فما يعنيه أن تكون اقتصادات العالم مرتبطة بأكملها بعملة واحدة هي الدولار، والدولار بدوره مرتبط بمزاج الحكومة الأمريكية واللاعبين الكبار، هي قضية "لا يمكن تجاهلها ولا يجب إهمالها".