الأسواق العربية تئن على وقع الحرب الأوكرانية... 5 دول اجتاحتها موجة غلاء بالفعل

رغم التطمينات الحكومية المعتادة ورغم أن الحرب ما زالت في بدايتها، إلا أن الأسواق العربية لم تكن بمنأى عن الأثار السلبية السريعة التي اجتاحت الساحة الاقتصادية والمالية في هذه البلاد.

وقد اجتاح الغلاء بالفعل الكثير من الدول، بدون اكتراث للتحركات الحكومية التي استهدفت تأمين المخزونات الكافية من السلع الضرورية وضبط الأسواق من أجل تخفيف الأزمات المعيشية التي يواجهها المواطنون.

بدايةً من الأردن... غلاء شامل للأسعار:

يستورد الأردن ما نسبته 80%-90% من احتياجاته الغذائية من الخارج، كذلك يستورد كامل احتياجاته من النفط والغاز والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج.

وقد أعلنت شركات تجارية أردنية حدوث ارتفاعات في أسعار بعض الأصناف الغذائية، كالزيوت النباتية، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يستورد البلد كميات كبيرة من الزيوت النباتية من أوكرانيا، ما قد يؤثر بالمخزون منها.

وقال المدير العام لشركة سومطرة للصناعات الغذائية في الأردن "إيهاب الشرفا"، إن "أسعار الزيوت النباتية بدأت ترتفع في الأردن متأثرة بالغزو الروسي لأوكرانيا. وإن العديد من المواد الغذائية وغير الغذائية سترتفع أسعارها في الأردن إذا استمرت الأزمة الروسية الأوكرانية لمدة طويلة".

وبيّن أن الأردن يستورد الحبوب والحديد من أوكرانيا، ويستورد 80% من زيوت دوار الشمس من أوكرانيا وروسيا، مشيراً إلى أن هذا النوع من الزيوت يعتبر الأكثر استهلاكاً للمواطن.

وقال إن الأزمة الروسية الأوكرانية منذ بدايتها رفعت سعر زيت النخيل والصويا بنسبة 20%، وانعكس هذا الارتفاع على أسعار زيوت دوار الشمس والذرة محلياً.

الأسعار في سوريا ترتفع بسرعة لدرجة أن يصعب رصدها:

يصف الأهالي في سوريا ما يحدث بالأسواق مؤخرًا أنه حالة "هستيريا"، فلو قدمنا لكم قائمة بأسعار السلع اليوم ستجدونها منتهية الصلاحية وغير سارية غدًا أو بعد غد.

وحسبما يكشف العامل السابق في وزارة الإدارة المحلية "خضر جوخدار"، لصحيفة "العربي الجديد"، فإن "عرض السلع والمنتجات بالأسواق السورية، تراجعت بنحو 30%، ما رفع الأسعار بالنسبة ذاتها، مع زيادة الطلب وتفشي ظاهرة الاحتكار التي هي السبب الحقيقي لفوضى الأسواق".

وأضاف: "ليس من المعقول أن تتراجع المخزونات خلال ثلاثة أيام وتظهر آثار وقف الاستيراد بهذه السرعة".

ولا يستبعد "جوخدار" رفع أسعار الخبز والمحروقات، بعد خطة التقنين والتقشف التي أعلنتها الحكومة خلال آخر اجتماع للحكومة الأسبوع الماضي، لأن روسيا أهم مصدّر للقمح والنفط إلى سورية.

ويرى مختصون أن أول آثار الحرب الروسية على أوكرانيا، سينعكس على خبز السوريين، بعد تراجع الإنتاج السوري من القمح، من أكثر من 3 ملايين طن قبل عام 2011 إلى نحو 900 ألف طن الموسم السابق، واعتماد الحكومة على الاستيراد، من روسيا أولاً ثم من أوكرانيا.

ويتوقع بعض المطلعين على الوضع في سوريا أن احتياطي القمح الفعلي لدى الحكومة لا يزيد على 250 ألف طن، لأنها تستورد شهرياً من الخارج ولم يزد ما استجرته من القمح السوري للموسم السابق على 600 ألف طن؛ ما يعني أن الاحتياطي يكفي لأربعين يوماً في حد أقصى.

ويرى الخبير النفطي "عبد القادر عبد الحميد"، في حديثه لصحيفة "العربي الجديد" أن آثار الحرب ستتجلى بشكل كبير، في توافر وسعر المشتقات النفطية بالأسواق السورية، فسوريا التي كانت تنتج أكثر من 380 ألف برميل نفط يومياً، قبل عام 2011، لا يزيد الإنتاج فيها اليوم على 30 ألف برميل، وبقية الفجوة يجري استيرادها من روسيا، ومن ثم إيران.

نظرة على أسواق المغرب:

لم تغب الأسعار عن تصريحات الحكومة المغربية منذ تنصيبها، حيث تسعى لتبرير الزيادات التي تعرفها بتداعيات الأزمة الصحية التي أثرت بأسعار العديد من المواد الأولية. وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليزيد من مخاوف الأسر من موجة جديدة لارتفاع الأسعار.

وباتت قضية الغلاء هي حديث الساعة في الأشهر الأخيرة، وهو ما تعكسه وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم يتردد البعض فيها بمطالبة رئيس الحكومة "عزيز أخنوش" بالرحيل.

وفي الأسبوع الماضي حضرت الأسعار بقوة في اجتماع قادة الأغلبية الحكومية حيث طغت على ما سواها من مواضيع، إذ أكد رئيس التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، أن هناك ضغطاً كبيراً على الموازنة.

واشتد الضغط على الحكومة في الفترة الأخيرة، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، بما كان له من تأثير في أسعار البنزين والسولار.

وصرّح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية "فوزي لقجع"، بأن الأسعار عند الاستهلاك في العالم وفي المغرب تظل مرتبطة بالظرفية الدولية الحالية والتوترات الجيوسياسية.

وتعاظمت مخاوف الأسر في الفترة الأخيرة في ظل ارتفاع أسعار القمح والدقيق، وتأججت أكثر في سياق متسم بانحباس التساقطات المطرية، بما في ذلك من تداعيات على محاصيل الحبوب في الموسم الحالي.

الاقتصاد المصري الضخم ليس أفضل حالًا:

قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري "نادر سعد"، إن بلاده تأمل ألا تمتد الأزمة الروسية ـ الأوكرانية لفترة طويلة، تفادياً لتعرض موازنة مصر لضغط شديد، مشيراً إلى العمل على خطة لاستيراد القمح من مناطق أخرى بدلاً من موسكو وكييف.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية عن "سعد" قوله، إن مصر لديها 14 دولة معتمدة لتوريد القمح، بعضها خارج القارة الأوروبية.

وروسيا وأوكرانيا هما عادةً أكبر مصدري القمح إلى مصر، إذ بلغت نسبة الواردات الروسية نحو 50%، فيما بلغت الأوكرانية 30% من إجمالي واردات مصر من القمح في عام 2021، حسب وكالة رويترز.

وقال "سعد" في مداخلة هاتفية لإحدى القنوات الخاصة المصرية إن البنك المركزي والحكومة يعملان لتأمين الاحتياجات المصرية، وفقاً لما نقلته الوكالة الرسمية.

وحسب مراقبين، ستؤدي الحرب إلى ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، ما يفاقم الأزمات المعيشية للمواطنين.

وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره. وبسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، قفزت العقود الآجلة لشحنات القمح والذرة الأميركية إلى أعلى مستوى منذ أكثر من تسعة أعوام، نهاية الأسبوع الماضي.

ولا تقتصر مخاوف الدول المستوردة لهذه السلع الرئيسية على توقف صادرات القمح الروسي والأوكراني فقط، بل قد تتسع الدائرة لتشمل الدول الغربية الموردة التي قد تدخل في الصراع.

السودان على رأس قائمة المتضررين:

تُعد السودان من أكثر الدول العربية تضرراً من الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة في حال إطالة أمد الأزمة، بسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته والقمح، لكون روسيا المنتج الأكبر له.

وفي هذا الصدد، قال المحلل الاقتصادي "محمد الناير" في حديثٍ لصحيفة "العربي الجديد"، إن الحرب تؤثر بسلاسل القيمة للواردات الروسية للمنطقة العربية بأكملها، لافتاً إلى أن الواردات الروسية للسودان تبلغ 750 مليون دولار ومعظمها من الدقيق والقمح.

وتوقع أن تسبب الحرب إذا طال أمدها زيادة أسعار النفط إلى (120) دولاراً للبرميل، ما يرفع من تكلفة المشتقات النفطية بالسودان، لأن إنتاجه منها لا يكفي سوى (40 ـ50%) من الاستهلاك.

كذلك سيتأثر السودان بارتفاع الأسعار العالمية للنقل والتأمين ويفاقم من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية القاسية التي يعيشها المواطنين، حسب "الناير".

وحسب بيانات رسمية، صعد التضخم السنوي في السودان بنسبة 359 بالمائة في 2021، مقارنة بنمو 163.26 بالمائة في 2020، في مؤشر على تصاعد أزمات الغلاء رغم الإجراءات الحكومية.