هكذا يُصنع الاحتكار والتهريب في سوريا... دكتور بالاقتصاد يكشف أصل المشكلة
حينما تتصف القرارات والسياسات المتبعة لحل مشكلة معينة بأنها غير مدروسة وعشوائية وارتجالية، فإنها تخلف غالبًا آثارًا أسوأ من المشكلة بحد ذاتها.
وهذا ما يحدث في سوريا في كل مناسبة، فحل مشكلة تذبذب أسعار الصرف أسقط الأسواق في بئر التضخم العميق، وكذلك محاولة ترشيد الاستيراد تسببت بتنامي ظاهرتي الاحتكار والتهريب.
وقد انتقد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق "نبيل سكر"، سياسة الحكومة في هذا الصدد، مؤكدًا أن ترشيد الاستيراد مطلوب لكن ليس عن طريق منع استيراد مواد معينة.
واعتبر أن الترشيد يكون عن طريق رفع الضرائب والرسوم الجمركية على الكماليات والسلع غير الضرورية وتخفيضها أو إلغائها على المواد الأساسية ومستلزمات الإنتاج.
وأكد أن الإلغاء الكمي سيؤدي إلى الاحتكار وتنشيط التهريب، ما يسبب خسارة الخزينة العامة للضرائب ويفيد المهربين والمحتكرين.
وأشار "سكر" إلى أن حماية الصناعة الوطنية وزيادة الإنتاج تحتاج إلى إجراءات حكومية كثيرة، أهمها تحسين مناخ الاستثمار وترميم البنى التحتية، وتشغيل الطاقات المعطلة وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإلى سياسات مالية ونقدية وتجارية سليمة.
وجاء كلام "سكر"، الذي نقله موقع "هاشتاغ"، في معرض رده على سؤال حول جدوى قرارات ترشيد المستوردات وتعديلاتها التي تصدر وتعدل من حين إلى آخر.
ذلك بعد أن أصدرت وزارة التجارة الخارجية في آب الماضي قراراً بإيقاف استيراد 20 مادة واردة في الدليل التطبيقي الإلكتروني المعتمد منها لمنح الموافقات لإجازات الاستيراد لمدة ستة أشهر.
وكان الهدف المعلن منه حماية المنتج المحلي إضافة إلى دعم الصادرات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وتخفيف استيراد المواد الكمالية والمواد المصنعة محلياً.
وبقيت قائمة المستوردات الممولة من مصرف سورية المركزي تتضمن 2800 بند جمركي، وحسب الوزارة فإن القائمة متغيرة تبعاً للاحتياجات التي يفرضها واقع الإنتاج المحلي.
وتؤكد أرقام وزارة الاقتصاد أن قيمة مستوردات العام الماضي وصلت إلى 4 مليارات يورو، ووصل العجز في الميزان التجاري إلى 3.33 مليارات يورو، ووصلت نسبة مستوردات مستلزمات العملية الإنتاجية من المواد الأولية خاصة الزراعية أو الصناعية إلى 80% من حجم المستوردات.
لماذا تتسم السياسة الاقتصادية في سوريا بهذه الأخطاء الساذجة؟
كثيرًا ما يصف الخبراء الأخطاء الاقتصادية في عملية صنع القرار التي يقع بها المسؤولون السوريون بأنها ساذجة وتنم عن إهمال وجمود في العقلية التي تدير الأمور.
في الاتجاه المقابل، يرى آخرون أن الساسة والمسؤولون يدركون جيدًا ما يحصل وما يفعلون، لكن ما يخفى علينا هو الأسباب الحقيقية والأهداف الأصلية لهذه القرارات، فنجد أنها بلا تفسير منطقي.
على أي حال فإن الاستمرار بهذا الطريق سيجعل البلد مفلسة من نواحي عدة، فلن يتبقى أي شخص مستعد للإنتاج أو المنافسة أو التجديد، وسيتحول الشعب إلى مستهلك ينتظر الدعم الحكومي المتواضع إلى أجلٍ غير مسمى، كما يخشى مراقبون.