بيع الأفكار والنصائح... وسيلة غير تقليدية لكسب المال تلقى رواجًا

يقال إن الفكرة هي أثمن كنز لدى الإنسان، وكذلك الأمر فإن تشارك وتبادل الأفكار هو الميزة الأهم التي أدت لتطور الحضارة البشرية ووصلت بها إلى ما هي عليه. لكن من كان يتوقع أن نصل إلى وقت تتحول فيه الفكرة أو النصيحة إلى سلعة أو مشروع تجاري؟

في الواقع إن هذا ما يحدث مع توجه العالم مؤخرًا إلى مفهوم "تسويق الأفكار"، وقد توسع هذا المفهوم ليشمل فئات المجتمع كافة، ويتحول إلى مهنة ضرورية في معظم المجتمعات. والنجاح الأكبر لمن يستطيع تسويق أفكاره باحترافية وجاذبية، وينجح في استقطاب الشرائح المستهدفة.

على سبيل المثال، فإن الشركات الكبيرة تؤجر خبير توليد افكار يسمونه Facilitator وهو يؤدي دور وسيط أو مدير جلسات توليد أفكار العصف الذهني Brainstorming sessions أو يدير جلسات تقليل التكلفة Cost saving sessions وهذه الجلسات من شأنها توليد عشرات الافكار الصالحة من نفس الموظفين لتحسين ظروف العمل وتقليل التكلفة.

النصيحة من ذهب... مقولة تتحول إلى واقع:

رصد موقع "إرم نيوز" في تقريرٍ مفصل نماذج عديدة لمفهوم تسويق الأفكار. فعلى الصعيد الطبي مثلا، ينظم متخصصون جلسات افتراضية يقدمون خلالها نصائح طبية عن بعد، ما يسهل وصول المعلومة، ويروج في الوقت ذاته للأطباء المشاركين في المشروع.

وفي إطار العلاج النفسي، بتنا نشهد تنظيم جلسات علاج مأجورة على مواقع متخصصة ببيع أفكار قد تساعد في علاج مشكلة نفسية معينة يعاني منها الفرد؛ مثل الغضب المتطرف، أو الاكتئاب، وتقديم النصح للشخص صعب المراس، أو الفرد الذي تعرض لصدمة عنيفة.

وإلى جانب المعلومات المجانية المتوفرة بكثافة على شبكة الإنترنت، هناك معلومات مأجورة ربما تساهم في تقديم الفائدة على مستويات عدة، وفي قطاعات متنوعة.

وفي عصر ريادة الأعمال تنتشر الخدمات المأجورة، في ظل استثمار أي ميزة بشرية وتوظيفها في خدمة شريحة معينة؛ على غرار التفريغ الصوتي، وكتابة المحتوى، ومهارات الحاسوب الواسعة، والتدوين.

ويجري تسويق تلك الأفكار من خلال منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر برامج فضائية، أو كتب وروايات وقصائد تحمل فكرة معينة أو تروج لها، فضلا عن الدور المحوري للسينما والدراما.

وقد قال "سمعان ميخائيل"، الرئيس التنفيذي لشركة "ليلك" التسويقية، إن "المنتج في عالم ريادة الأعمال يمكن أن يموت ولكن الفكرة لا تموت، وتسويق الأفكار أبسط وأسهل من تسويق المنتجات؛ لأن الفكرة تخاطب عقل العميل مباشرة، فإما أن يقتنع أو لا يقتنع".

من جانبه، أشار "إبراهيم انجرو"، مدير شركة ”كودليكس“ للبرمجيات، إلى أن "بيع الأفكار يعتمد على شخص يمتلك رصيدا كافيا من الخبرة في سوق العمل، وبيئة تنفيذ المشاريع ودراسة العقبات أثناء التخطيط، فضلا عن معرفة المنافسين والأجواء العامة والتفصيلية في هذا المجال".

وقال "انجرو"، المتخصص ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، إن "الطريق الأفضل للتسويق كمثال حي واقعي، هو العلامة التسويقية التجارية؛ أن يصبح الفرد علامة موثوقة، فيسعى لتسويق الاسم بداية، وأي شيء يصدر بعد الاسم سيأخذه الناس على محمل الجد".

نقطة خطيرة... ماذا يعني أن تتحول الفكرة إلى سلعة قابلة للتسويق؟!

في الواقع إن مفهوم تسويق الأفكار لا يقتصر على المجال التجاري أو الاقتصادي فحسب، بل إن الأمر يشمل ما هو أكبر وأهم من ذلك وهو تسويق الأفكار الجوهرية والمبادئ لشعب أو حضارة معينة.

ولو تطرقنا إلى تسويق الأفكار من خلال الفنون، فإن معظم المجتمعات تحاول التسويق لأفكارها بالاعتماد على السينما أو الدراما؛ لأن الفن مرآة المجتمع، ولو أرادت مؤسسة ما التسويق لفكرة الحريات الشخصية والتحرر، مثلا، فإننا نشهد ذلك أحيانا في قالب سينمائي يجسد هذه القضايا ويروج لها.

فكر قليلًا، كم هو مقدار الأموال التي تصرف لإدراج أيدولوجيات وأفكار معينة في الأفلام والدراما، وما الفائدة من أمر كهذا لا يعود بنفع اقتصادي مباشر؟!

في الواقع إن الأفكار تُسوق كما تُسوق السلع، فأحيانا نجد دولا كبيرة في المساحة وتعداد السكان لكنها تفتقر للتأثير، مقابل دول صغيرة نسبيا، ولكنها نجحت في تسويق أفكارها والترويج لذاتها عالميا، في إطار ما يُعرَف بالقوة الناعمة.

والحقيقة أن مفهوم القوة الناعمة ليس جديدا تماما، لكن "ناي" كان من أوائل الباحثين الذين توسعوا في تسليط الضوء على قدرة بعض الدول في استثمار عناصر الجذب الحضارية والثقافية دون الاضطرار إلى اللجوء للإكراه؛ بهدف الإقناع ونشر الدعاية والفكر الوطني، عبر الآداب والفنون، وأحيانا من خلال الدبلوماسية الرشيقة.

ولا يقتصر استثمار القوة الناعمة على الدول الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة، إذ يشير "ناي"، المساعد السابق لوزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة الرئيس الأمريكي السابق "بل كلينتون"، إلى أن عددا من الدول الآسيوية "تمتلك أيضا مصادر محتملة مثيرة للإعجاب؛ ذلك أن فنون وثقافات آسيا القديمة وأزياءها ومطابخها كان لها من قبل تأثير قوي على أجزاء العالم الآخر على مدى قرون".