تربيهم كالكبش السمين ثم تستهدفهم... سياسة الصين مع أثريائها تصبح موضع جدل

على عكس النظام الشيوعي التقليدي الذي لا يسمح بتكديس الثروات وقيام الشركات الضخمة المهيمنة كما في الدول الرأسمالية، فإن الصين نجحت في خلق نظام اقتصادي جديد حوّلت فيه أرباب الرأسمالية في بلدها إلى أكباش سمينة يمكن التضحية بها في أي لحظة.

وقد رصدت وكالة "بلومبيرغ الشرق" في أحدث تقاريرها، سياسة الحكومة الصينية في استهداف الأثرياء، لكشف معالم هذا العالم الغامض والنهج الاقتصادي الذي يتبعه التنين الصيني.

كان من أباطرة الثروات ثم اختفى فجأةً... قصة تتكرر بالصين:

خرج رجل سليم الجسم من غرفته الفاخرة بأحد الفنادق على كرسي متحرك، فيما غُطي رأسه ببطانية. بعدها، لم يُر هذا الرجل علناً على مدار خمس سنوات... إنهم أعضاء في نادٍ للنخبة لم يرغبوا أبداً في الانضمام إليه، فهم رجال أعمال أصبحوا أهدافاً للنظام القانوني المبهم للحزب الشيوعي الصيني.

في عام 2017 قالت هيئة الرقابة على مكافحة الفساد في الصين، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الحزب يجب أن يسيطر على نظام العدالة لتجنب "فخ القانون" و "فخ الديمقراطية".

وفي يناير/ كانون الثاني من العام ذاته، عززت الهيئة تعهدها بـ "عدم الرحمة" في قطع العلاقات بين المال والسلطة.

وهكذا يُحتجز قرابة 30 ألف شخص في الصين سراً كل عام، وغالباً دون توجيه اتهامات عامة أو الاتصال بمحامين. وقد ذكرت منظمة حقوقية أن ما تسميه الأمم المتحدة بـ "الاختفاء القسري" قد تضاعف 10 مرات في عهد الرئيس شي، الذي تولى السلطة في عام 2012، مقارنة بالعقد السابق.

الرخاء المشترك... عنوان براق ولكن؟!

شددت الصين من رقابتها على كل من الثروة وسلطة الشركات. وكُثفت التحقيقات في ظل حملة "الرخاء المشترك" التي يقودها الرئيس "شي"، والتي تسعى إلى التخفيف من عدم المساواة في الثروة، ظاهريًا على الأقل.

كما يقول الحزب الشيوعي إنه يتصدى للفساد والسلوك المانع للمنافسة والمخاطر المالية والأمنية، بينما يقول منتقدون إنه يكبح جماح التهديدات لفرض سيطرته.

يقول "ستيف ستانغ"، مدير المعهد الصيني بجامعة "SOAS" في لندن، إنه من خلال إبعاد بعض المليارديرات عن الرأي العام، يرسل الحزب رسالة واضحة. ويضيف: "إن تحقيق الربح هو امتياز وليس حقاً. يمكن لكبار رجال الأعمال أن يستمروا فقط في ظل رحمة الحزب".

حينما تكون في الصين لن تحتاج لسبب منطقي حتى يتم اعتقالك:

اتبع "وو شياوهوي"، عملاق قطاع التأمين في الصين، مساراً مختلفاً في الصعود والهبوط. إذ اشترت مجموعة التأمين المملوكة له "آنبانغ" (Anbang Insurance Group) فندق "والدورف أستوريا" في ولاية نيويورك في عام 2014، كجزء من سلسلة من الصفقات الدولية رفيعة المستوى.

وفي عام 2017 كانت المفاجأة، فابتعد الرجل عن الأنظار دون تفسير صريح. ثم طلبت السلطات الصينية من شركته البدء في بيع استثماراتها الخارجية. وحُكم عليه أخيرًا بالسجن 18 عاماً بتهم الاحتيال والفساد، وذلك بعد قرابة عام من اختفائه، وهي فترة لم يتم فيها الكشف عن أي تهم عامة.

أما قضية "وانغ تشاويونغ"، المصرفي السابق في "مورغان ستانلي"، فهي الأحدث. حيث شغل الرجل منصب رئيس مجلس إدارة شركة "تشاينا إكويتي" (ChinaEquity Group)، وهي شركة استثمار في الأسهم الخاصة.

وفي ديسمبر/ كانون الأول، أفاد موقع "تشايشن" الإخباري أن "وانغ" لم يظهر علناً لمدة أسبوعين وأنه قيد التحقيق بتهم مخالفات مالية، وأُطلق سراحه بكفالة في أوائل يناير/ كانون الثاني.

حتى مؤسس "علي بابا" لم يسلم من بطش الحزب الحاكم في الصين:

كانت القضية الأشهر في هذا الصدد هي تساؤل المستثمرين حول العالم عن اختفاء الملياردير "جاك ما"، مؤسس شركة التجارة الإلكترونية العملاقة "علي بابا"(Alibaba.com)، لعدة أشهر بدءاً من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

انهارت حينها أسهم الشركة بشكل عنيف، ليتضح فيما بعد أن "جاك" كان يلعب الغولف في جزيرة هاينان الصينية، وظل بعيداً عن الأنظار بعد أن ألقى خطاباً نارياً انتقد فيه الجهات التنظيمية.

في الصين، غالباً ما يعتمد نجاح الشركة إلى حد كبير على اتصالات رئيسها داخل الحزب الشيوعي. ونتيجة لذلك، يمكن أن تنهار أسهم الشركة "عندما يختفي شخص مقرب من الحزب"، كما يؤكد الخبراء.

لهذا السبب يثير الضرر الناجم عن مثل هذه الأحداث الجدل المتزايد حول ما إذا كانت الأسواق الضخمة في الصين تستحق المخاطرة. إذ وصف الملياردير "جورج سوروس" الاستثمار في الصين بأنه "خطأ مأساوي".