قطر تغير قواعد اللعبة... الأولى عربيًا بمؤشر الأمن الغذائي بدون أراضي خصبة

في الماضي، كان الأمن الغذائي أو الاكتفاء الغذائي أمرًا محصورًا بالدول التي تمتلك أراضي خصبة ومناخ جيد. أما الدول الصحراوية أو ذات المناخ القاسي، لطالما كانت تقع بمشاكل وصعوبات بهذا الخصوص.

لكن التقدم العلمي من جهة، والموارد المالية الوفيرة من جهة أخرى، قد ساعدت بعض الدول ليس على تجاوز مشاكل الأمن الغذائي فحسب، بل على الريادة والتفوق في هذا المجال أيضًا.

على سبيل المثال، وخلال السنوات الأخيرة، أبدت دولة قطر أهمية وأولوية كبير لقضية الأمن الغذائي، فعملت على تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلا بعد جيل.

وتكللت هذه الجهود الحثيثة، بحصولها على المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية، والـ 24 عالميا في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2021، كما أكدت وكالة "الجزيرة" القطرية في أحدث تقاريرها التي تناولت هذا الموضوع.

ووفقا للبيانات الصادرة عن وحدة "إيكونوميست إنتليجنس" (The Economist Intelligence Unit) للأبحاث التابعة لمجلة الإيكونوميست البريطانية، فقد قفزت قطر 13 مركزا على المستوى العالمي، وجاءت في المرتبة الـ 24 عالميا في القائمة التي تضم 113 دولة، بعد أن كانت بالمرتبة الـ 37 في نسخة عام 2020.

ويستند المؤشر العالمي للأمن الغذائي في تصنيفه إلى مجموعة من المعايير أبرزها، قدرة المستهلك على تحمّل كلفة الغذاء، وتوافر الغذاء، وجودة وسلامة الغذاء، وتنوّع النظام الغذائي والبنية الأساسية الزراعية والناتج المحلي الإجمالي للفرد، وسهولة توفير التمويل للمزارعين والإنفاق على الزراعة ومعدلات العرض مقارنة بمستويات الطلب.

التقنيات الحديثة تقول كلمتها قبل كل شي:

يقول مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة البلدية القطرية الدكتور "مسعود جار الله المري" إن دولة قطر قفزت 13 مركزا على المستوى العالمي وذلك على الرغم من الصعاب والتحديات التي واجهتها الدولة خلال السنوات 2017-2021، وكذلك الظروف المُناخية والبيئية القاسية التي تواجهها.

وأشار إلى أن قطر استثمرت بشكل كبير في السياسات الغذائية والزراعية والبنية التحتية وتحديثات السوق والموانئ واحتياطيات التخزين، كما زادت الاهتمام بمجال بحوث الأمن الغذائي وأنشأت صندوقا لرعاية البحوث الزراعية والغذائية.

ولفت مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة البلدية القطرية إلى أنه في ظل التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي كالتغير المناخي وارتفاع درجة الحرارة، فهناك توجه لدعم التقنيات الحديثة في الزراعة من أجل التغلب على تأثير التغير المناخي والقدرة على الإنتاج في الصيف. مما ساهم في زيادة الإنتاج المحلي والتغلب على إحدى نقاط الضعف المتمثلة في الإنتاج الزراعي المقتصر فقط على فصل الربيع.

وعملت قطر، على العديد من مشاريع التقنيات الزراعية الحديثة المتعلقة بالزراعة المائية بدون تربة، على غرار مصنع لإنتاج الخضراوات في جامعة قطر، حيث تتم زراعة الشتلات النباتية في وسط نمو غير نشط، ليتم إمداد النباتات من خلال المجموع الجذري بالمحاليل المغذية الذائبة والمتوازنة التي يسهل امتصاصها مباشرة وبطريقة سهلة.

ملاحظة: الزراعة المائية هي طريقة حديثة للزراعة لا تنمو فيها النباتات في التربة، ولكن مباشرة في الماء بمكونات معدنية خارج التربة.

وتتميز الزراعات المائية بتوفير في المياه المستخدمة في الزراعة عن الزراعات التقليدية، إذ يصل حجم التوفير لقرابة 92%، حيث تعتمد الزراعة المائية على عملية إعادة تدوير المياه مرات عدة مع إضافة نسبة التبخير حسب الحاجة.

وقد قامت قطر بتطوير كبير للأسواق الغذائية والساحات الزراعية، وتوسيع وتحديث في البنى التحتية اللوجستية في الموانئ والمخازن بالدولة، وإنشاء احتياطيات تخزين إستراتيجية من سلعتي القمح والأرز، وزيادة المخزونات الاحتياطية لمجموعة واسعة من المواد الغذائية الأساسية في متاجر البيع بالتجزئة بالدولة.

وتزامن ذلك مع زيادة النفقات العامة على البحوث الزراعية من خلال برنامج قطر الوطني لتمويل بحوث الأمن الغذائي.

الأمن الغذائي يتعلق بما هو أهم من الاقتصاد:

يرى الخبير الاقتصادي " عبد الله الخاطر" أن مكاسب قطر من تعزيز أمنها الغذائي تتجاوز بكثير المكاسب الاقتصادية، موضحا أنه إلى جانب حالة الاطمئنان الكبيرة من حالة الأمن الغذائي، فإن حصول قطر على هذه المرتبة المتقدمة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بمثابة إشارة واضحة إلى أنه ليس بمقدور أي أحد استغلال الأمن الغذائي ورقة للمساومة أو ممارسة الضغوط.

وأشار إلى أن قدرة قطر على تعزيز أمنها الغذائي أكسبها مزيدا من الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات سواء في الداخل أو الخارج، بالإضافة إلى أن ذلك يمثل مؤشرا جيدا للاقتصاد وقدرة الدولة على تحقيق رؤاها.