تحويل المتسول إلى رجل أعمال... قصة نجاح بروفيسور عبقري أسس بنك الفقراء

كانت حياة البروفيسور "محمد يونس" منذ البداية مليئة بالنجاحات الأكاديمية المميزة، أستاذ محترم لمادة الاقتصاد يعيش حياة اجتماعية مرموقة، وهو زائرٌ دائم للجامعة العالمية يتلقى أجرًا ممتازًا ويتمتع بكل مقومات النجاح المادي؛ لكن مروره من شارع واحد في بنغلادش جعله يبدأ طريقًا جديدًا في حياته.

لطالما بقي البرفسور "يونس" مطلعًا ومهتمًا بطبيعة الوضع الاقتصادي المتردي لبلاده، فلم يمنعه نجاحه الخاص عن تذكر وعيش معاناة الشعب الفقير الذي يعاني من تردي كافة الخدمات الأساسية. فظل يدرّس النظريات الاقتصادية الكبرى في الجامعة، ثم يخرج ليجد نفسه أمام عدد كبير من الفقراء في كل مكان.

ذات مرة وأثناء تجواله في إحدى أزقة المناطق الفقيرة المليئة بالمتسولين، التقى البروفيسور بسيدة عجوز تجلس على الأرض وتقوم بتصنيع كراسي صغيرة متواضعة. ثم عرف لاحقاً أن هامش ربحها من هذه الكراسي المصنوعة من الخوص (ورق النخل) يعادل 2 سنت فقط.

بذرة الفكرة العبقرية:

شعر "يونس" بالدهشة وتعجب من ضآلة هذا الهامش الربحي الذي تحصل عليه السيدة العجوز، فأجابته بأنها لا تملك التمويل الكافي لشراء الخيزران لصناعة هذه الكراسي، وهو ما يجعلها تذهب للاقتراض من أحد التجار الذي يشترط عليها هذا الهامش الربحي ويتحكم فيه.

غرق "يونس" في أفكاره فجأةً وسكت لوهلة، ثم سألها عن تكلفة شراء الخيزران الذي تقترضه من هذا التاجر، فأخبرته أنه يكلف 20 سنتاً!... إذن كل هذه المعاناة التي تعانيها العجوز في ضعف هامشها الربحي، سببها فقط 20 سنتاً لكل كرسي تقوم بصناعته.

من هذه النقطة بدأت الفكرة تتشكل في عقل البروفيسور "يونس"، فباشر بتنظيمها بشكل أدق إحصائياً ودراسياً.

عاد "يونس" إلى الجامعة، واصطحب معه بعض طلابه إلى واحدة من القرى بهدف عمل مسح عن قرب لأعمال الفقراء فيها، فخرجوا منها بقائمة تتضمن 40 شخصا يقومون بأعمال صغيرة جداً مقابل هوامش ربحية شديدة التدني.

والمفاجأة كانت، أن رأس المال الكافي لتحسين الهامش الربحي وبدء عمل حقيقي بالنسبة لأغلب هؤلاء الفقراء، لا يتعدى مبلغ 30 دولارًا للشخص الواحد.

قرضٌ حسن:

بدأ البروفيسور "يونس" بتطبيق فكرته مع إعطاء هؤلاء الاشخاص مبالغ التمويل المطلوبة، ولكنه أخبرهم بأنه قرض، ينبغي أن تتم إعادته بمجرد أن يتمكنوا من ذلك، أي عند بيع منتجاتهم بهامش ربحي جيد في أي مكان، وبالطبع لم يفرض عليهم أي فائدة مهما كان وقت الإعادة.

في هذه الأثناء، توجه "محمد يونس" إلى الجامعة باذلًا قصارى جهده في إقناع أولي الأمر بافتتاح مؤسسة صغيرة في حرم الجامعة مخصصة لإقراض الفقراء قروض متناهية الصغر مثل التي أجراها في تلك القرية.

لكن الجامعة بالتعاون مع أحد البنوك الكبيرة، رفضت تماماً تأسيس هذه المؤسسة، متحججين أن الفقراء لن يكون بإمكانهم إعادة الأموال أبداً، وأن هذا سيمثل استنزافاً مستمراً للأموال المصرفية، وسيسبب خسائراً ضخمة.

لم يستسلم البروفيسور عند هذه النقطة، بل كانت المفاجأة المنبثقة أمام الجميع، أن الأربعين شخصاً – جميعهم – الذين أقرضهم يونس هذه القروض الصغيرة، قد أعادوها بالكامل وفي أسرع وقت ممكن، بعد حصولهم على هامش ربحي جيد مقابل تجارتهم.

وهنا تحديدًا فهم "يونس" معالم سبيله الجديد بغية البدء بمشروعه العبقري والإنساني...

بنك الفقراء والمتسولين:

بطلب المساعدة من تلاميذه بدلًا عن الجهات الرسمية والبنوك، قرر "يونس" إجراء نفس التجربة على 50 قرية مختلفة. فباشر بالمرور على الأشخاص الأكثر فقراً، وتزويدهم بقرض متناهي الصغر يتيح لهم توسيع هامشهم الربحي، وسداده بمجرد المقدرة على ذلك.

لكن "يونس" لم يترك فكرته كما هي بل أضاف عليها ميزة إمكانية متابعة كل مشروع صغير، وتوفير النصائح لكل شخص بخصوص توسيع تجارته بشكل أكبر. وكانت النتيجة نفسها، الجميع يقترض، يعمل، يزيد هامشه الربحي، يقوم برد المبلغ الذي اقترضه، وهكذا.

في نهاية المطاف، أسس البروفيسور "يونس" مصرفاً مستقلاً بالكامل، سماه بنك "غرامين" يعمل بنفس النمط، ويستهدف تزويد الفقراء برؤوس أموال صغيرة.

في الواقع حتى المتسولين قد استهدفهم البنك بإقراضهم قروض من هذا النوع تساعدهم على بدء تجارة صغيرة والتوقف عن التسول ومد أيديهم للناس، فباتوا يكسبون بعرق جبينهم.

من فكرة فردية إلى مشروع حصل على جائزة نوبل:

يومًا بعد يوم، تضخم بنك "غرامين" في بنغلاديش ليصبح لديه أكثر من 1200 فرعاً، ويغطي أكثر من 40 ألف قرية بنغلادشية، وكان قادرًا على تأمين قروض بأكثر من 4.5 مليار دولار، بحد أقصى 200 دولار لكل مشروع متناهي الصغر.

وفي عام 2006، حصل بروفيسور الاقتصاد "محمد يونس" على جائزة نوبل للسلام، في مقابل مشروعه لبنك الفقراء الذي ساعد ليس في إعانة الناس بل في إنقاذهم حرفيًا. فانطبق عليه مثل: "لا تطعمني سمكة بل علمني كيف أصطاد".

في الواقع إن أهم عبرة مستخلصة من هذه التجربة تتركز في مفهومنا لمساعدة المحتاجين الخاطئ، قد تنفق 10 ملايين دولار على إطعام مئة ألف شخص ثم يجوع هؤلاء بعد انتهاء المبلغ. وقد تنفق المبلغ نفسه أو أقل على بدء مشروع عمل ناجح لـ 10 آلاف عائلة فتفتح لهم آفاق جديدة وتنقذهم من الفقر للأبد.