أهم 3 أسباب تفسر الهبوط الكبير في سوق العملات المشفرة حاليًا

نظرة سريعة إلى سوق العملات المشفرة حاليًا ستكشف لنا أن اللون الأحمر (الهبوط) هو سيد الموقف، وذلك في ظل موجات بيع كثيفة وقوية تهيمن على السوق على مدار الساعة.

خسرت بيتكوين وحدها، وهي أكبر الأصول الرقمية، أكثر من 12% من قيمتها يوم أمس الجمعة، منخفضة إلى أقل من 36 ألف دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ شهر يوليو/ تموز الماضي.

وعانت العملات الرقمية الأخرى هبوطاً بنفس الدرجة، إن لم يكن أكثر، فعملة "إيثريوم" وعملات "الميم" التي دعمها "إيلون ماسك" أيضاً غارقة في عواصف هبوط مماثلة.

انهيار بتكوين منذ أعلى مستوى بلغته في نوفمبر/ تشرين الثاني، محا ما يزيد على 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، مع خسارة أكثر من تريليون دولار من إجمالي سوق العملات المشفرة.

أولًا: تهديدات الفائدة المرتفعة

 كان البيتكوين حتى وقتٍ قريب محتفظًا بأرباح لا بأس بها على المستوى السنوي، لكن التلويح برفع أسعار الفائدة وإجراءات الحكومة الأمريكية لمحاربة التضخم عزز الهلع في الأسواق وأعاد إلى الأذهان أزمات مالية سابقة، فأصبحت سيناريوهات أزمة 2008 موضع حديث بين المستثمرين مجددًا.

هذا الهلع دفع كل الشركات والمستثمرين الكبار (الحيتان) إلى الخروج من الأصول عالية المخاطرة بأسرع ما يمكن، وكما نعرف جميعًا فإن العملات الرقمية هي أكثر أصل مالي ينطوي على مخاطر عالية في وقتنا الحالي. فما حدث أن المتداولين فضّلوا الخروج بسرعة مع أرباح سنوية مقبولة على انتظار حدوث رفع الفائدة والوقوع في عين العاصفة.

كما نرى في الرسم البياني أدناه، كل مرة يصل بها التضخم إلى مستوى مرتفع على مر التاريخ الأمريكي، تكون استجابة البنك الفيدرالي مشابهة، حيث يتعمد خلق أزمة عبر رفع كبير لأسعار الفائدة.

تأكيدًا على هذه الفرضية، يرى "أرتيم ديف"، المحلل الرئيسي في شركة "إيه ماركتس" أن انخفاض سعر صرف البتكوين وغيرها من العملات المشفرة في نهاية العام الماضي، يعزى بالأساس إلى الإجراءات الجديدة في سوق الأسهم.

ويؤكد "ديف" أنه بعد ارتفاع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة إلى 6.2%، وهو مستوى قياسي لم تشهده الولايات المتحدة منذ أكثر من 30 عاما، بات من الواضح أن بنك الاحتياطي الفدرالي يقترب من تشديد السياسة النقدية عبر رفع أسعار الفائدة.

ثانيًا: العرض والطلب:

في الوقت الحالي، نرى أن الأخبار التي تتحدث عن رفع الفائدة والانهيار والأزمات المالية لا تعد ولا تحصى، وهذا سيدفع بالناس عمومًا إلى سحب أموالهم من أي استثمار عالي المخاطرة بشكل أسرع وأعنف.

فإذا رفع الفيدرالي الفائدة، سيعني ذلك أن الحصول على قروض مجانية للاستثمار هو أمر بعيد المنال، والسيولة المالية في أيدي الناس ستصبح أقل كنتيجة مباشرة لذلك، مما يعني أن الطلب على أصول الاستثمار بمختلف أنواعها سيشهد تراجعًا كبيرًا بشكل يوازي الرفع الكبير المخطط له.

كل ذلك يقودنا إلى النتيجة التالية: "ما حدث في سوق العملات الرقمية هو عبارة عن انهيار مبكر لأنها أعلى الأصول من ناحية المخاطرة، والانهيار سينتظر الأصول الأخرى أيضًا بالتدريج".

باختصار: الفائدة سترتفع، والسيولة مع الناس ستصبح أقل وأكثر قيمة، والطلب على الأصول الاستثمارية سيتراجع بشكل متزامن، وهكذا ستكون الحكومة الأمريكية قد صنعت الانهيار الذي تبحث عنها لإعادة فرض معاييرها المالية على الأسواق.

ثالثًا: ارتباط العملات الرقمية بسوق الأسهم

قال بعض الخبراء والمحللين تعقيبًا على الأحداث الأخيرة إنه "بطبيعة الحال، تتعرض العملات المشفرة لمخاطر هذا النوع من البيع الكثيف على خلفية طبيعتها المتقلبة تاريخياً، غير أن هذه التقلبات تستحق التفكير من حيث قيمتها الدولارية ونسبتها المئوية في ضوء الحجم الذي بلغته القيمة السوقية لسوق التشفير"

وأضافوا: "تهز نوايا بنك الاحتياطي الفيدرالي أوضاع الأسهم والعملات المشفرة، ولذلك ظهرت فكرة مهيمنة في مجال الأصول الرقمية، مفادها أن العملات المشفرة شهدت تقلبات في قيمتها تقريباً بنفس الدرجة في أسواق الأسهم."

وقال "ستيفان ووليت"، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك في منصة تداول العملات المشفرة للمؤسسات "إف آر إن تي فايننشال": "إن العملات المشفرة تستجيب لنفس نوعية الديناميكيات التي تضغط حالياً على الأصول عالية المخاطر عالمياً."

وقد انخفضت بالفعل أسعار الأسهم التي ترتكز على سوق العملات المشفرة يوم الجمعة، مع خسارة أسهم "كوين بيس غلوبال" نحو 16% من قيمتها وتراجعها إلى أدنى مستوى منذ بدء تداولها العام في ربيع 2021، وفقاً بيانات "بلومبرغ".

وهبطت أسهم "مايكرو ستراتيجي" بنسبة 18%، بينما قالت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إن الشركة لا يحق لها حذف التقلبات العنيفة لعملة بتكوين من البيانات المحاسبية غير الرسمية التي تروجها وسط المستثمرين.

أما الخبير المخضرم "أنتوني ترينشيف"، فيذكر ارتباط بتكوين مع مؤشر "ناسداك 100" الذي يتسم بارتفاع الوزن النسبي لأسهم التكنولوجيا، والذي يقترب حالياً من أعلى مستوى له في عشر سنوات.

قال "ترينشيف": "تتعرض بتكوين لأضرار بسبب موجة من مشاعر تجنب المخاطرة. ومن يريد دلائل إضافية عليه أن يراقب الأسواق التقليدية. إن الخوف والقلق واضح وملموس وسط المستثمرين".

بالنظر أيضاً إلى معامل الارتباط بين عملة بتكوين وصندوق مؤشرات "إيه آر كيه إنوفيشين"، يصل هذا المعامل إلى نحو 60% منذ بداية العام، مقابل نحو 14% ارتباطاً مع أسعار الذهب، وفق حسابات "كاتي ستوك تون"، وهي مؤسسة وشريكة إدارية في شركة "فيرليد ستراتيجيز" للأبحاث التي تركز على التحليل الفني.

شاهد في الرسم البياني التالي الارتباط بين مؤشر "s&p 500" (هو مؤشر أسهم يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أمريكية من بنوك ومؤسسات مالية)، وبين مؤشر البيتكوين.