ماذا لو تدخلت الحكومة لتفرض على الأسواق أسعار رخيصة تناسب الجميع؟

بينما تتفاقم نسب التضخم، وتزداد وتيرة الغلاء تسارعًا في أغلب دول العالم، كانت أحد أكثر الأسئلة التي خطرت على أذهان الناس هي: "لماذا لا تتدخل الحكومات؟"، وهم محقون في هذا، فإذا كانت الحكومات حول العالم تمتلك سلطة طباعة العملة وتتحكم في مفاصل الاقتصاد، فلماذا تقف متفرجة على معاناة الناس مع الغلاء والتضخم؟

في الواقع إن التدخل المقصود بالنسبة للعديد منا، لا يتعلق بإصلاحات اقتصادية معقدة، نحن نريد ببساطة أن تقوم الحكومة بتحديد الأسعار بنفسها وجعلها رخيصة وفي متناول الجميع.

إذا كنا سنتحدث عن التحديد الإجباري للأسعار فهذا الأمر مارسته الحكومات من قبل، عادةً خلال أوقات الأزمات. ولكن حاليًا، بالنسبة لمعظم من يفهم ألف باء الاقتصاد الحديث، سيعتبر أن أي تدخل قسري في الأسواق لا يفترض أن يكون أول ما نفكر به في أي أزمة.

وقد تناولت شبكة "سي إن إن"، هذا الموضوع بالتفصيل في أحد تقاريرها الذي سنلخص لكم أهم نقاطه الرئيسية فيما يلي:

تشويه الأسواق:

يجادل الخبراء الذين يعترضون على نظام "التسعير الجبري" بأن تحديد المبلغ الذي يمكن أن تفرضه الشركات على المنتجات سيؤدي إلى تشويه الأسواق، مما يتسبب في نقص وتفاقم مشاكل سلسلة التوريد مع الحد من التضخم مؤقتا فقط.

في هذا الصدد، يقول "ديفيد أوتور"، أستاذ الاقتصاد في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، في استطلاع نشرته جامعة "شيكاغو" في وقت سابق من هذا الشهر: "التسعير الجبري يمكنه بالطبع التحكم في الأسعار، لكنها فكرة مروعة".

وحول ما إذا كانت ضوابط الأسعار المماثلة لتلك المستخدمة في الولايات المتحدة خلال السبعينيات يمكن أن تقلل من التضخم خلال العام المقبل، قال أقل من ربع الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع إنهم يوافقون، فيما قال 60% تقريبا إنهم يختلفون أو لا يوافقون إطلاقا على صحة هذا السيناريو.

يبدو أن الموقف تجاه ضوابط الأسعار متشابه في واشنطن، حيث أظهر صانعو السياسة القليل من الحماس حتى لاتخاذ تدابير مستهدفة أو مؤقتة على الرغم من الضغط المتزايد على أسر الطبقة المتوسطة التي تشعر بألم ارتفاع الأسعار أكثر من الأغنياء.

ومع ذلك، وبعد ارتفاع التضخم السنوي إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود عند 7% واقتراب موعد الانتخابات النصفية، يمكن أن تظهر ضوابط الأسعار في النقاشات المستقبلية حول كيفية خفض الأسعار، خاصة إذا فشلت الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي هذا العام في ترويض التضخم.

خلق السوق الموازية أو السوداء:

هناك الكثير من السوابق فيما يتعلق بالتحكم في الأسعار في الولايات المتحدة (التي ينظر إليها باعتبارها السوق الحر الأكبر والأكثر أهمية)، ولكن لا بد من النظر إلى عقود قليلة سابقة للحصول على صورة كاملة.

استخدمت هذه السياسة على المستوى الفيدرالي لآخر مرة خلال السبعينيات، عندما دشن الرئيس السابق "ريتشارد نيكسون" مجلس تكلفة المعيشة في صيف عام 1971 ومنع معظم الزيادات في الأجور والأسعار لمدة 90 يوما.

كانت هذه السياسة شائعة لدى الجمهور الأمريكي، وتباطأ التضخم مؤقتا بعد أن وصل إلى 5.8% في عام 1970. لكن جهود "نيكسون" اللاحقة للحد من الأسعار كانت أقل نجاحًا بكثير.

حاول الرئيس الأمريكي مرارا وتكرارا تجميد الأسعار خلال السنوات القليلة المقبلة، لكن التضخم ارتفع إلى 11% في عام 1974، وتفاقم ذلك بسبب إعلان منظمة "أوبك" حظر شحنات النفط إلى الولايات المتحدة في العام السابق.

كان "نيكسون" في وقت مبكر من حياته المهنية، محاميا لمكتب إدارة الأسعار، الذي تم إنشاؤه خلال الحرب العالمية الثانية لفرض حدود قصوى على الإيجارات ومجموعة واسعة من المنتجات.

وكانت ضوابط الأسعار فعالة إلى حد كبير، لكنها أدت إلى ازدهار السوق السوداء، واضطرت السلطات إلى حل هذه الوكالة في عام 1947.

لعل هذا السيناريو ليس بعيد عن تخيلنا كشعوب عربية، وبالأخص الشعب السوري الذي شهد سطوة غير مسبوقة للسوق الموازية (السوداء) خلال السنوات الأخيرة بسبب سياسات الحكومة الخاطئة.

ضبط الأسعار وليس فرضها:

توجد ضوابط محدودة على الأسعار في الاقتصاد الأمريكي، اليوم، حيث تحدد بعض المدن الإيجارات أو المبلغ الذي يمكن لأصحاب العقارات زيادته كل عام، وتحد الهيئات الحكومية من السعر الذي تفرضه بعض المرافق الاحتكارية.

اتخذ الرئيس "جو بايدن" بعض الخطوات لمكافحة ارتفاع الأسعار من خلال استهداف الشركات واستخدام نفوذ مكتبه، وتعهد بإنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار واتخاذ إجراءات صارمة بشأن تحديد الأسعار من قبل شركات اللحوم، وهي صناعة لا يسيطر عليها سوى عدد قليل من الشركات الكبيرة.

كما أفرج "بايدن" عن كميات من الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية في البلاد في محاولة لخفض أسعار الطاقة. اللحوم والطاقة كلاهما من العوامل الرئيسية المساهمة في التضخم، لكن مع ذلك يبدو أن سياسة تحديد الأسعار الكاملة لا تزال بعيدة جدا وربما مرفوضة.

حتى لو حاولنا ضبط الأسعار... مشكلة أخرى ستظهر:

يمكن استهداف أو فرض ضوابط الأسعار على مجموعة واسعة من السلع، مع تحديد حد أدنى وأقصى. سعت العاصمة الألمانية برلين، على سبيل المثال، إلى تحديد قيمة الإيجار الذي يمكن لأصحاب العقارات فرضه على المستأجرين.

وفي المملكة المتحدة، يحد المنظمون من المبلغ الذي يمكن أن يدفعه المستهلكون مقابل الطاقة وبعض أنواع أسعار تذاكر القطارات.

على الرغم من ذلك، يجادل الخبراء بأن تحديد الأسعار يشجع الشركات على إنتاج كمية أقل من المنتج، مع جعله أكثر جاذبية للمستهلكين، وبالتالي ينخفض ​​العرض ويزيد الطلب ويكون العجز هو النتيجة الحتمية.

لكن هذا لا يمنع الحكومات في جميع أنحاء العالم من اللجوء إلى تحديد الأسعار عندما يخرج التضخم عن السيطرة؛ فمثلا، مع اقتراب موعد الانتخابات في الأرجنتين أواخر العام الماضي وتجاوز التضخم السنوي 50%، جمدت الحكومة أسعار أكثر من 1000 سلعة منزلية.