ما السر وراء انتفاض العالم مع كل خبر أو بادرة حول أزمة اقتصادية بالصين؟
ثقل الصين في الاقتصاد العالمي هو أمر لا خلاف عليه، فالجميع يقر بأن الصين هي مصنع العالم، وسلعها الرخيصة لا غنى عنها في كل مكان؛ لكن ذلك لا يبرر تمامًا انتفاض العالم مع كل أزمة أو بادرة لظروف سيئة ستمر بها البلاد هناك، مما يجعلنا نتساءل: لماذا تؤثر أزمات الصين الداخلية على العالم لهذه الدرجة...؟
كلمة السر هي سلاسل التوريد:
لعل أزمة كورونا، وما حصل مؤخرًا من حرب الصين مع المتحور الجديد "أوميكرون"، هو أقرب مثال يمكننا اعتماده لشرح آلية تأثير أزمات الصين الداخلية على العالم...
إن إجراءات الصين ضد الوباء وكيفية تعاملها معه هي شأن داخلي، لكن حقيقة الأمر ليست كذلك بالكامل، إذ حذر مديرو المصانع والمحللون حول العالم من أن معركة الصين لاحتواء متحور فيروس كورونا الجديد "أوميكرون"، تخاطر بخنق سلاسل التوريد العالمية المنهكة بالفعل، مما يهدد إنتاج كافة السلع من الهواتف الذكية إلى الأثاث.
وبعيدا عن الجانب الصحي، تعتبر هذه القيود بمثابة اختبار للشركات متعددة الجنسيات، وما إذا كانت قد أصبحت مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع تعطيل قدرتها التصنيعية مقارنة بالموجات السابقة للوباء، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز".
نتذكر جيدًا ما حدث بعد انتشار الفيروس من ووهان في جميع أنحاء الصين خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة قبل عامين، حين منعت الحكومة النقل عبر مساحات شاسعة من البلاد.
ومنعت القيود مئات الملايين من العمال المهاجرين الذين سافروا خلال فترة الإجازة من العودة إلى وظائفهم، وصدرت أوامر بإغلاق المصانع لأسابيع عدة.
أما الآن فقد قال "ديدييه شينيفو"، الخبير المشارك في شركة "ماكينزي" الاستشارية العالمية: "هذه المرة أشعر بقلق أكبر لأن سلاسل التوريد حول العالم متوترة للغاية بالفعل، وهناك تأخيرات طويلة في النقل ومشكلة نقص المكونات لا تزال قائمة".
شركات اقتصادها بحجم دول تتأثر بمشاكل الصين الداخلية:
أعطت القيود الأخيرة بالفعل الشركات متعددة الجنسيات لمحة عما هو على المحك، حيث أغلقت شركتا صناعة السيارات "فولكس فاغن" و"تويوتا" مصنعيهما في تيانجين الأسبوع الماضي، وواجه عمال شركة "سامسونغ" للرقائق مشكلة في مواصلة العمل بسبب الإغلاق في شيان.
وقد أبلغت "نينغبو"، موطن ثالث أكبر ميناء للحاويات في العالم، عن إصابات وحظرت الشاحنات من الدخول، مما أدى إلى تفاقم ازدحام السفن.
وفي شركة "سامسونغ إليكترو ميكانيكس" لتصنيع المكونات في تيانجين، طلبت الحكومة المحلية من العمال عدم مغادرة المدينة لقضاء عطلة العام الجديد لتجنب مخاطر الإصابة.
وقال المسؤول التنفيذي التايواني الذي تتعرض شركته لضغوط للسماح للعمال بالعودة إلى ديارهم لقضاء العطلة بعدما اضطروا إلى تفويت الرحلة السنوية مرتين بالفعل: "هذه إجراءات وقائية منطقية، نحن أقل استعدادا".
وحاليًا، يرى محللون أنه إذا انتشرت العدوى، فإن الشركات المصنعة ستتضرر بشدة كما كانت قبل عامين، مع قيام عدد قليل من الشركات بنقل أجزاء كبيرة من سلاسل التوريد الخاصة بها خارج الصين.
ويتساءل المراقبون هنا: "هل قام أي شخص بالفعل بتقليل مخاطر سلسلة التوريد؟ هل نقلوا إنتاجهم في آسيا إلى بلدانهم أو بالقرب منها على نطاق واسع؟" الجواب هو لا، لأن هذه الأشياء تستغرق الكثير من الوقت.
الاعتمادية على الصين في زيادة... وهو أمر لا يبشر:
أدت عمليات الإغلاق التي يسببها الفيروس في الاقتصادات في أماكن أخرى إلى زيادة اعتماد العديد من الصناعات على الصين، على الأقل خلال المدى القصير.
وقد قال مستشار يعمل مع شركات الإلكترونيات: "الجميع يحاول بناء روابط مع مورد ثانٍ في الصين، ويتضمن ذلك العثور على مصادر بديلة لشراء المكونات بالإضافة إلى تحديد المواقع بين المصانع الخاصة بك والتي يمكن أن تكون بمثابة دعم، لكن هذه الترتيبات لم تحقق ما يكفي، ويستغرق الأمر من ثلاث إلى خمس سنوات لتحقيق التنوع الجغرافي".
لذلك فإن العالم سيستمر – على الأقل خلال الوقت الحالي – في القلق تجاه أزمات الصين الداخلية، لأنها بالحقيقة ليست شؤون داخلية بالفعل، بل هي قنبلة موقوتة يمكن أن تؤثر في قطاعات هامة يقوم عليها اقتصاد العالم أجمع، وسلاسل التوريد أو العقارات ليست سوى مثال.