إنتاج الطاقة البديلة في سوريا... مشروع واقعي أم كلام للاستهلاك الإعلامي؟

تزداد معاناة السوريين من سوء واقع الكهرباء، خاصة في أوقات البرد أو الحرّ الشديدين، والسبب الأساسي هو النقص الشديد في مادتي الفيول -الذي يعد مصدراً أساسياً للطاقة الأحفورية- والغاز الذي يغذي غالبية محطات التوليد، علاوةً على أن محطات الطاقة الحرارية في البلد بحالة مزرية بلا استثناء تقريبًا، وتكاليف تجديدها تجعل الأمر غير قابل للنقاش حتى.

لذلك فقد كانت فكرة الطاقة البديلة في هذه الظروف هي الأمل الأخير للسوريين فانطبق المثل القائل: "الغريق يتعلق بقشة". ثم استغلت الحكومة ذلك جيدًا وساندها الإعلام في تهويل وتضخيم مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وكانت شركات مثل "ودفرم WDVRM" وغيرها من النماذج التي أبرزها الإعلام على أنها تحمل "العصا السحرية" لحل أزمة الطاقة في البلد.

 فهل تستحق الطاقة البديلة حجم الزخم الإعلامي الذي حصلت عليه أم أنها "إبرة تخدير جديدة" كما يقول السوريون؟

حتى يكون للأمر جدوى اقتصادية تستحق الذكر:

بحسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي "خالد تركاوي"، تحتاج مسألة تصنيع الطاقة في سوريا إلى مليارات من الدولارات وليس الليرات السورية، الذي يرى أن النظام غير قادر على الدخول في هذا القطاع.

وتحدث "تركاوي" في تصريحات نقلها موقع "عنب بلدي"، عن وجود مشاريع للطاقة البديلة في البلدان المجاورة لسوريا، كالأردن وتركيا، مشيرًا إلى أن هذه الدول تدفع ملايين الدولارات للاستثمار في هذا المجال.

الطاقة البديلة أو الطاقة المتجددة، سواء طاقة الرياح أو طاقة الشمس، أمر مكلف، بنيتها الأساسية ليست رخيصة، لكن الإنتاج الذي توفره يصبح رخيصًا على المدى الطويل.

فلا حاجة إلى الدفع عندما تمنح المراوح الطاقة الهوائية، لكن تركيب المروحة الضخمة سيكون مكلفًا للغاية، ويمكن أن يصل إلى عشرة ملايين دولار للمروحة الواحدة، بحسب الباحث.

وتحدث "تركاوي" عن تجربة بدأت في الريف الغربي لمحافظة حمص، منذ ثلاث سنوات، تم تركيب مروحة واحدة خلالها، والآن يجري العمل على تركيب مروحتين أخريين، ما يعني أن التجهيز يتم كل سنتين أو أكثر في القطاع الخاص.

والأماكن المؤهلة للطاقة المتجددة في سوريا التي يمكن أن يستثمر فيها القطاع الخاص، هي تدمر والصحراء باتجاه ريف المدينة الشرقي والرقة (طاقة شمسية)، وهي مناطق نزاع وصراع حتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن المستثمر معرض للخسارة وتدمير المشروع نتيجة الهجمات والصراع.

والمنطقة الثانية هي جبال اللاذقية والمناطق باتجاه ريف حمص الغربي المفتوحة على المناطق الساحلية (طاقة رياح)، وهي مناطق آمنة نسبيًا وليس كليًا، لكن الحاجة إلى بنية كبيرة جدًا في هذه المنطقة للاستثمار في الرياح تتطلب تكلفة مرتفعة.

أما المنطقة الثالثة فهي في نهري “دجلة” و”الفرات” (طاقة مياه)، والنهران يقعان خارج مناطق سيطرة الحكومة، لذلك لا يمكنه الاستفادة منهما، والأنهار الأخرى كنهر “العاصي”، تدفقها بسيط ولا يمكن الاستفادة منها حتى لو وجدت الإمكانية، لأن توليدها للطاقة سيكون ضعيفًا.

بفرض توفر كل الإمكانيات لإنتاج طاقة بديلة:

لنفترض أن الحكومة تمتلك المبالغ المطلوبة، والمناطق المطلوبة تحت سيطرتها بالكامل أيضًا... هل سيكون الحديث عن الطاقة البديلة ذو جدوى اقتصادية؟

الجواب هو غالبًا لا، فحتى الدول التي تدفع المليارات لأجل الطاقة البديلة (أوروبا والولايات المتحدة مثلًا) ما زالت تخوض صراعات سياسية واقتصادية من أجل النفط والغاز، وهي تفهم جيدًا أن الحديث عن الطاقة البديلة هو أمر مناسب في المجلات العلمية والإعلام ومحاضرات الحفاظ على البيئة، لكنه غير مقنع للاقتصاديين والساسة.

ومن عيوب الطاقة البديلة التي تعتبر موضع حديث حتى الآن هو أنها موسمية ومؤقتة، فلا يمكن الاستفادة من طاقة الشمس أو الرياح بشكل متواصل وبكل فصول السنة.

تجربة أولية للسوريين يفترض أن تكون أثبتت الكثير:

عندما ركب البعض موجة الإعلام بالحديث عن الطاقة البديلة بات يفكر باقتناء ألواح شمسية، فدفع الناس مبالغ باهظة وخصص بعض التجار رؤوس أموال كبيرة في سبيل ذلك.

كانت النتيجة أن ألواح الطاقة الشمسية عالية الجودة تكلف الكثير بالنسبة للمواطن السوري الذي لا يتجاوز دخله 50 دولار شهريًا، أما ما دون ذلك من الألواح منخفضة ومتوسطة الجودة، فقد كانت عبارة عن هدر للأموال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

علمًا أن معيار الجودة هنا هو بحسب النوعيات المتوفرة في الأسواق السورية، لكن على الصعيد العالمي، فحتى أفضل المعدات الموجودة في سوريا ليست أكثر من ألواح صينية منخفضة الجودة.