أرتال وطوابير طويلة... إقبال كبير تشهده مراكز الهجرة والجوازات في سوريا
يشاهد السوريون يوميًا أرتالًا من مئات الأشخاص المصطفين أمام مراكز الهجرة والجوازات للحصول على جواز سفر واقتناص أول فرصة سانحة بغية الخروج من البلد. وهذا منظرٌ اعتيادي لم يعد الأهالي يجدونه غريبًا، لكن الجديد هو أن أولئك الناس الراغبين بالهجرة قد زاد عددهم بصورة لافتة في الفترة الماضية، خصوصًا في دمشق، وكان أغلبهم من الشباب.
ويعزى ذلك إلى الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتفشي البطالة وتردي الخدمات الحيوية التي تقدمها الحكومة من كهرباء وإنترنت، مما ينعكس سلبا على مستوى معيشتهم وتعليمهم وعملهم.
وإلى جانب الطرق النظامية التي يسعى الشباب إلى الهجرة من خلالها، ثمة طرق أخرى غير نظامية وخطرة يسلكونها مضطرين من أجل الوصول إلى بلاد تحترم حقوقهم وتوفر فرصا تضمن لهم حياة أكثر استقرارا وراحة.
الحصول على جواز سفر في سوريا رحلة طويلة... الواسطة والرشوة طريق مختصر:
لا تقتصر أسباب الازدحام الذي يشهده مركز الهجرة والجوازات على ازدياد أعداد الراغبين في الهجرة، وإنما تضاف إليه الأعطال الفنية التي تصيب المطابع المسؤولة عن طباعة أوراق جواز السفر، والمحسوبيات التي تنعم بها قلة قليلة من السوريين، والفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
في حديثه مع "الجزيرة نت" التي رصدت الأزمة في دمشق، يقول "محمد" ذو الـ 27 عاما، وهو مدير لأحد المقاهي في العاصمة: "لو كان بحوزتي 150 ألف ليرة لتمكنت من الحصول على جواز السفر خلال أيام".
ويضيف: "تمكنت الشهر الماضي من الدخول إلى مركز الهجرة والجوازات بصعوبة بالغة، وسجلت طلبي على جواز مُستعجل، وقال لي الموظف عُد بعد أسبوع، وها أنا ذا أعود بعد شهر ولا يزال جوازي غير جاهز".
حتى الآن، يجاهد "محمد" طوال شهرين تقريبا لاستكمال الأوراق اللازمة لجواز السفر، وحين جاء إلى مركز الهجرة والجوازات استوقفه أحد "المتعاونين" -وهو شخص يقوم بدور الوسيط بين كبار الموظفين في دائرة حكومية ما والمراجعين لها- وسأله إن كان يحتاج إلى مساعدة، وعندما سأله "محمد" عن نوع هذه المساعدة، أبدى الرجل استعداده لتسيير أوراق "محمد" واستصدار جواز سفر له خلال أيّام مقابل مبلغ 50 ألف ليرة، وعندما استهجن الشاب المبلغ عاجله المتعاون بالقول "هذه الخمسون ستطعم 10 أفواه غيري".
واضطر "محمد" إلى زيارة مركز الهجرة والجوازات 3 أيام متتالية حتى تمكن من إدراج بصمته وإتمام التواقيع اللازمة ضمن المبنى، ولا يزال منذ شهر ينتظر إصدار جواز سفره "المستعجل" الذي يفترض أن يصدر خلال أسبوع.
يقول الشاب العشريني: "حين كنا في الصفّ ننتظر وصول دورنا، كان يخرج إلينا موظف من داخل المبنى ويطلب من أشخاص بأعينهم الدخول معه لإتمام أوراقهم، دون أن يأبه لغضب المصطفين واستنكارهم، وكنا نرى أولئك الأشخاص يخرجون بعد نصف ساعة باسمين من المبنى".
وينتظر آلاف الشبان مدة طويلة تتراوح بين شهر وشهر ونصف لاستصدار جوازاتهم، في حين تنعم قلة قليلة من السوريين "المدعومين" بالحصول على أوراقهم فور طلبها، بما في ذلك جواز السفر.
ما موقف الحكومة من الوضع الحالي؟
لم تكن هذه المرة الأولى التي يزدحم فيها السوريون أمام مركز الهجرة في دمشق، فقد شهدت الدائرة الحكومية في منتصف أغسطس/آب من العام الماضي مشهدا مماثلا استمر أسابيع، وأرجع حينها وزير الداخلية حينها "محمد الرحمون" ذلك الازدحام إلى أسباب فنية خارجة عن إرادة الوزارة، تمثلت في صعوبة الحصول على الأوراق والأحبار اللازمة لطباعة جوازات السفر، والتي يتمّ استيرادها من الخارج.
وبعد وعود عديدة بانفراج أزمة الجوازات، عاد وزير الداخلية ليعلن الشهر الماضي عن إمكانية الحصول على جواز سفر مستعجل في يوم واحد مقابل 100 ألف ليرة (28.5 دولارا)، بعد أن كان سعره يساوي 31 ألف ليرة (9 دولارات)، بينما تم رفع السعر القنصلي للحصول على جواز مُستعجل في الخارج إلى 800 دولار، ليصبح بذلك جواز السفر السوري أغلى جواز سفر في العالم.
وتشير تقارير في صُحف ومواقع مقربة من الحكومة إلى أن العقوبات الأوروبية والأميركية واحدة من العقبات التي تواجهها وزارة الداخلية فيما يتعلق باستصدار جوازات السفر، كون العقوبات تعرقل استيراد الأحبار والأوراق من الدول المصدرة، وهو ما يؤخر عملية الطباعة.