فخ الديون الصيني... استعمار بأسلوب حديث لا يتطلب جيوش ولا يتسبب بثورات
أكد وزير الخارجية الصيني "وانغ يي"، يوم الخميس الماضي، من كينيا، أن بكين لا توقع أفريقيا في فخ الديون، وذلك أثناء جولة أفريقية يزور خلالها عدة مشاريع بنى تحتية تمولها بلاده.
وفي مومباسا حيث تمول الصين بناء محطة جديدة في قلب أكبر مرفأ في شرق أفريقيا، أكد "وانغ" أن القروض المرتبطة بهذه المشاريع تمثل "منفعة متبادلة"، رافضا فكرة أن بلاده تنصب فخا للدول الأفريقية.
وقال للصحافيين: "إنها قصة اختلقها أولئك الذين لا يريدون رؤية تطور أفريقيا.. إذا كان هناك فخ، فهو فخ الفقر والتخلف".
كانت تلك آخر التطورات في ملف الديون الصينية التي أثقلت كاهل العديد من دول العالم عمومًا ودول القارة السمراء بالأخص. ولعل التصريحات الدبلوماسية المذكورة تدفعنا للتساؤل هل ما تقوله الصين هو الحقيقة، وما هو فخ الديون الذي يجري الحديث حوله؟!
استعمار على الطراز الحديث:
كثيرة هي الدول التي أبدت نظرة إيجابية تجاه الأموال الصينية، واعتقدت أنها قروضٌ شبه مجانية، لكن هذه القروض كانت مكلفة جدا اقتصاديا وقد تعمل على تكبيل هذه الدول لارتباطها بالاقتصاد الصيني وبالتالي ترهن مستقبلها للشركات الصينية.
كما ترسل بكين أحيانا عمالتها الخاصة للمنافسة على الوظائف المحلية، ونتيجة لذلك "أصبحت هذه البلدان غارقة في فخ الديون الصينية".
"لا نريد نسخة جديدة من الاستعمار" قالها رئيس الوزراء الماليزي السابق "محمد مهاتير" بالعاصمة الصينية بكين لمضيفه الصيني "لي كه تشاينغ" قبل عدة سنوات، وأبلغه حينها أن بلاده ألغت ثلاثة مشاريع اقتصادية عملاقة كانت ستمولها بكين، وأكد حينها أن الأمر لا يتعلق بصب أموال كثيرة، إنما في عدم قدرة كوالالمبور على سدادها.
النموذج السيريلانكي:
موقع سريلانكا الإستراتيجي على خط الملاحة الأكثر ازدحاما بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا جعلها مطمعا كبيرا للصين التي أغدقت على هذه الدولة الصغيرة حوالي ثماني مليارات دولار بفائدة قدرها 6.3%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالبنك الدولي الذي تتراوح فوائده بين 0.25% و3%.
نتيجة لذلك حصلت الصين على ٨٥% من حصة مرفأ "هامبانتونتا" الإستراتيجي بعقد مدته 99 سنة، بالإضافة لحوالي 15 ألف فدان قريبة من الميناء كمنطقة صناعية.
كينيا وباكستان والمالديف وغيرها... التنين الصيني يلتهم الدول الضعيفة بالديون:
كينيا هي الأخرى اضطرت لرهن أكبر وأهم مرفأ بها "ميناء مومباسا" للحكومة الصينية، وذلك بسبب قروضها المتراكمة، حيث بلغ حجم الديون أكثر من 5.5 مليارات دولار، مما يضع كينيا ضمن الدول الأكثر عرضة لفقدان الأصول الإستراتيجية لصالح بكين.
أما في باكستان فقد طالب رئيس الوزراء الحالي عمران خان بـ "الشفافية" في عقود وقعت مع الصين وصفت بالمبهمة لأنها تتضمن شروط سداد تصب في مصلحة بكين.
هذا بجانب أن الشركات التابعة للحكومة الصينية استثمرت نحو 62 مليار دولار في باكستان لبناء محطات الطاقة الشمسية ومحطات توليد الطاقة، وبناء وتوسيع الطرق السريعة، وتجديد خطوط السكك الحديدية.
كل هذه القروض تم تقديمها بالدولار، مما سيضطر باكستان للسعي وراء تحقيق فائض تجاري مرتفع حتى تستطيع سدادها.
إثر ذلك استحوذت إحدى الشركات الصينية على ميناء غوادر الإستراتيجي لمدة أربعين عاما، وستمتلك الشركة ٨٥% من إجمالي إيراداته.
أما في المالديف، فتقدر ديون الصين لجزر المالديف بمبلغ 1.3 مليار دولار (أي أكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي السنوي). وقد استأجرت بكين إحدى جزرها لمدة خمسين عاما وبعد استلام "إبراهيم صلح" الرئاسة أخذ على عاتقه مراجعة الإنفاقات مع الجانب الصيني، ووصفها بأنها مشروع للـ"استيلاء على أراضي الدولة".
في بنغلاديش أيضا، ومع تراكم الديون على الحكومة لتصل لعشرات المليارات من الدولارات، وضعت الصين يدها على أكبر وأهم ميناء بحري فيها وهو مرفأ شيتاغونع.
الدول العربية ليست بمعزل عن الفخ الصيني:
على هامش قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2018، استكمل الرئيس السوداني مباحثاته مع نظيره الصيني، وخلال هذا اللقاء أُعلن عن تقديم بكين تسعين مليون دولار كمنح وقروض لدعم مشاريع التنمية.
في الجزائر تأتي الاستثمارات الصينية في قطاع البناء بحوالي 1.2 مليار دولار، والزراعة خمسمئة مليون والباقي في قطاع الخدمات.
أما في مصر فقد أكدت جهات حكومية مطلعة أن القاهرة وبكين وقعتا صفقات في الماضي بقيمة 18 مليار دولار في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
وفي جيبوتي من المتوقع أن تبلغ الديون 88% من جملة ناتجها المحلي البالغ 1.72 مليار دولار، وأغلبها ديون للصين، وربما تواجه هي الأخرى احتمال تسليم الصين بعضا من أصولها لتسديد دينها.
الصين تسعى لما هو أكثر من المال:
يؤكد "أندريه دوفنهيج"، الأستاذ في جامعة "نورث وست" بجنوب أفريقيا أنه "في النهاية، ستطلب الصين من الدول المتعثرة عن سداد ديونها أشكالًا أخرى من إعادة الدفع، مثل الموانئ والأراضي".
وأعرب عن اعتقاده بأنه على المدى البعيد، ربما تبدأ الصين التأثير على القرارات الاقتصادية والسياسية لدول أفريقية محددة.
بدوره، قال "شادراك غوتو" الأستاذ في جامعة ساوث أفريكا "إن الصين لا تأتي إلى أفريقيا لتنميتها"، مشيرًا إلى أن القارة تكون ضعيفة التفكير "عندما تعتقد أن الدول الأخرى تأتي إليها لإفادتها".
وأعرب عن اعتقاده بأن الصين لديها إستراتيجيتها الخاصة في التعامل مع أفريقيا، لهذا ينبغي على القارة أن تكون حذرة عند توقيع الاتفاقيات معها. وأضاف "علينا أن نعمل على مصالحنا الخاصة لنرى كيف يمكننا الاستفادة".
وبحسب معهد الأبحاث الأميركي (سنتر فور غلوبال ديفيلبمنت) فإن مبادرة "الحزام والطريق"، التي يصفها البعض بالحلم الصيني، تزيد بشكل ملحوظ من خطر خلخلة أوضاع ثمانية بلدان مثقلة بالديون وهي منغوليا ولاوس وجزر المالديف ومونتينيغرو وباكستان وجيبوتي وطاجكستان وقرغيزستان.