إبر البنج لا توفر الأمن الغذائي... جهات حكومية في سوريا تختلف وتتهم بعضها

باتت الخلافات الداخلية في الحكومة السورية، على المستوى الإعلامي، وحتى على مستوى المسؤولين السابقين، أمرًا لا سبيل للتغاضي عنه.

فنرى أن وسائل الإعلام الحكومية المحسوبة على جهة معينة تنتقد الأخرى، والمسؤول المستقيل دائمًا ما يخرج بالحلول والانتقادات بعد ترك منصبه. وهذا إن دل فيدل على تخبط وتذبذب في الساحة الاقتصادية، وهو ما يجعل الأهالي يشعرون بالمزيد من الحيرة والقلق حول مستقبل البلد.

في التفاصيل، فقد قال وزير الزراعة السابق "نور الدين منى"، إن عام 2021 كان مخجلاً ومحزناً ومزرياً للحكومة السورية، بشأن الوعود التي تقدمت بها بتحسين الوضع المعيشي والخدمي للسوريين، متسائلاً: "ألا توهن تصريحات الحكومة ووزراءها نفسية الأمة؟".

وأوضح "منى" في منشور عبر صفحته على "فيسبوك" أن "التوقعات والتنبؤات والوعود لم تستخدم فيها الأدوات العلمية والمنطق والعلاقة السببية في آليات صنع القرار، بل اعتمدت آليات التنجيم كما يفعل المنجمون في ليلة رأس السنة من كل عام؛ كتسالي وإضاعة وقت".

وضرب وزير الزراعة السابق أمثلة عن وعود الوزارات والواقع على الأرض، مشيراً إلى أن وزارة الزراعة مثلاً سمّت عام 2021 "عام القمح" فجاء تقرير الأمم المتحدة(الفاو) ليقول بتدني إنتاج القمح في سورية بنحو 60%، وهو الأدنى منذ 50 عاما، وثمة تخوف من مجاعة جماعية.

صحيفة حكومية تتعرض بالانتقاد لجهات حكومية أخرى:

انتقدت صحيفة "البعث" الناطقة باسم حزب البعث الحاكم، الحكومة السورية، متهمةً إياها بمفاقمة الأزمة الغذائية في سورية، عبر انسحابها من دعم القطاع الزراعي، معتبرةً أن "إبر البنج" لا توفر الأمن الغذائي، الذي لا يطال أكثر من 10% من المواطنين.

وقالت الصحيفة: "ليس مستغرباً أن آخر ما حملته تقارير الأمن الغذائي عن سورية مع نهاية العام هو التحذير من تدهور غذائي كبير على الأبواب، بعد أن سجل إنتاج القمح الرقم الأدنى منذ نصف قرن، فلم يتجاوز الإنتاج المحلي 400 ألف طن، أي أقل من ربع الحاجة."

وأضافت الصحيفة أن "هذا التدهور أصبح عنواناً مرافقاً للواقع السوري، فالجفاف الذي أصاب كامل المحافظات كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لاسيما بعد الاستعداد إلى عامٍ وفير الإنتاج لم يحصد منه سوى اليباس، ما أعاد الاستيراد إلى واجهة الحلول رغم الصعوبات والتكاليف الباهظة."

ولفتت إلى تصريحات وزير التجارة الداخلية "عمرو سالم"، الذي رأى أن الأمن الغذائي بخير و "أكثر من ممتاز" مطمئناً إلى وجود 275 ألف طن من القمح حالياً تكفي لنهاية نيسان، مع إشارته إلى توقيع عقود لاستيراد كميات كبيرة خلال هذه الفترة، في الوقت الذي حذر فيه وزير الزراعة "حسان قطنا" من العام الأخطر والأسوأ لجهة الجفاف، ودعا في مناسبات عدة لزراعة أي مساحة مهما كانت صغيرة لتجاوز فترة الجفاف التي لم يسبق ومر على سورية مثلها.

ماذا فعلت الحكومة لإيقاف معاناة السوريين؟

تساءلت الصحيفة: ماذا فعلت الحكومة لتفادي أزمة الغذاء؟

لتجيب أن أبرز ما اتخذته هذا العام هو رفع الدعم عن السماد، ورفع سعر المحروقات للقطاع الزراعي كما غيره، وتقصير واضح في الشراء من الفلاح ودعمه في الكثير من المحاصيل، وتلكؤ في التدخل الإيجابي بما ضرّ الفلاح والمستهلك، والكثير الكثير من التصريحات عن الدعم والنهوض بالقطاع الزراعي.

واعتبرت أن ضعف القدرة الشرائية وتناقص محتويات السلة الغذائية بالتدريج وخروج أصناف غذائية أساسية من أحلام السوريين، تشكل مؤشرات واضحة لا يمكن التغاضي عنها بتصريح هنا و"إبرة بنج" هناك حول التدهور الغذائي، ومع ذلك لا يزال التعاطي مع هذه القضية متواضعاً وبعيداً عن الواقع.

ولفتت إلى التحذيرات التي يطلقها الخبراء الزراعيون والتنمويون حول ضرورة إيجاد خطط بديلة وبعقلية مختلفة عما اعتاد عليه التخطيط الزراعي، والنظر إلى الموضوع على أنه حالة طوارئ تستحق تركيز الموارد كافة عليها، وتأمين السماد والبذار والمحروقات للفلاحين، إضافة إلى التوسع بالزراعات الأسرية والتعامل معها بجدية أكبر وتحويلها إلى مشروعات صغيرة ومتوسطة تؤمن الحد الأدنى من الغذاء لاسيما في الأرياف والمناطق النائية.

وأشارت إلى أن الخبراء يؤكدون أن توفر المواد الغذائية في الأسواق ليس مؤشراً على "خير" الأمن الغذائي موضحةً: "ما دام المواطن لا يجرؤ حتى على النظر إلى واجهات المحال بسبب الأسعار الباهظة لمختلف الأصناف لا يمكن القول إنه مؤمن غذائياً، حيث تصنف مؤشرات الأمن الغذائي إلى توافر الغذاء أولاً، وجودته وسلامته ثانياً، والقدرة على الحصول عليه وتحمل تكاليفه أخيراً، مما يجعل حجة توافر الطعام تلقي بخيراتها على 10% من المواطنين فقط".