لماذا تكون الدول العربية أول المتضررين من التضخم والمجاعات رغم وفرة مواردها؟
في تقريرٍ لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، ظهر بوضوح وجود تفاقم في ظاهرة الجوع أو سوء التغذية ضمن البلدان العربية، سواء التي تشهد نزاعات أو غيرها، خلال عامي 2019/2020.
ودفع ذلك التقرير بعض الجهات والخبراء إلى طرح العديد من التساؤلات حول أسباب ظاهرة الجوع وسوء التغذية في العالم العربي رغم وفرة الموارد والثروات الطبيعية التي تحظى بها منطقة الشرق الأوسط.
في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور "عبد الرحمن المشهداني"، أن تقرير منظمة "الفاو" عن معدلات الجوع في العالم وبالتحديد في العالم العربي، يعطي مؤشرات بالغة الخطورة، فقد رصد التقرير أن ما يقارب 4.5 مليون من سكان العراق مهددين بالجوع.
ما السبب في تفاقم الجوع والأزمات الغذائية؟!
أكد الخبير العراقي، في حديثٍ مع وكالة إعلام روسية شهيرة، أن السبب الأساسي في انتشار الجوع في العالم العربي يعود للفشل في السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومات، علاوة على هجرة الريفيين لمناطقهم وتحولهم إلى المدن الرئيسية، وهذه كانت أحد الأسباب الرئيسية لتوقف أو قلة الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى تكاليف الانتاج العالية.
وتابع الخبير الاقتصادي: "إن الحديث عن تلك الأعداد من الجوعى في العالم العربي، ليس وليد اليوم، بل هو نتيجة تراكمات قديمة قد تعود إلى عقدين أو ثلاثة نتيجة تحول سياسات الدول الاقتصادية إلى الاقتصاد الرأسمالي، هذه المشكلة أخفقت فيها معظم دول العالم وليست الدول العربية فقط، الجميع أخفق في كيفية التحول إلى اقتصاد السوق وكيفية إعطاء دور فاعل للقطاع الخاص لكي يكون أحد الروافد المهمة لعملية الاستقرار الاقتصادي، وهذه مسألة مهمة جدا."
الحكومات لا تكترث:
أكد "المشهداني"، أن تلك الأزمة التي تحذر منها الفاو ومنظمات دولية أخرى، حتى الآن ليست محل اهتمام من الحكومات العربية منذ عقود.
وأضاف: "أتذكر أننا قمنا بعمل العديد من الندوات في الجامعة المستنصرية بتكليف من رئاسة الجمهورية في العام 1992، ومنذ هذا التاريخ كانت هناك توقعات بأن أزمة مياه حادة سوف يشهدها العراق بعد عام 2000، والحقيقة أنه لم يكن هناك اهتمام بالموضوع واعتبروه نوع من المبالغة، إلى أن وصلنا إلى تحقق تلك التوقعات."
بدوره يقول الدكتور "علي البحر"، المدير التنفيذي لمؤسسة للتنمية المستدامة بجنوب اليمن: "إن السياسات الحكومية في الدول العربية هي السبب الرئيسي وراء ظاهرة الجوع التي تحدث عنها تقرير منظمة "الفاو"، حيث لا يتم استغلال الموارد الكبيرة التي تمتلكها الدول من أجل رفع المعاناة وتيسير الحياة للمواطنين".
وأضاف "البحر" موضحًا أن: "الحروب الداخلية التي تشهدها بعض البلدان العربية ساهمت أيضا في زيادة نسبة الجوع والفقر في ظل العجز عن استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في تلك الدول والتي تحتاج إلى نوع من الاستقرار، لكي تتم عمليات الاستغلال الأمثل لتلك الموارد وتنميتها".
أسباب أخرى لا تقل أهمية:
من جهته، أرجع الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور "محمد الناير"، أسباب ظاهرة الجوع في العالم العربي والتي أشار لها تقرير "الفاو"، إلى عدم تكامل الموارد الطبيعية للدول العربية مع بعضها البعض، علاوة على عدم توجيه الاستثمارات للأموال العربية للاستثمار داخل الوطن العربي لتأمين الغذاء.
وأضاف في حديثه مع الوكالة الروسية ذاتها: "على سبيل المثال يستورد العرب من الخارج أغذية بما قيمته أكثر من 60 مليار دولار سنويا، في حين أن استثمار ما بين 20-30 مليار دولار سنويا لمرة واحدة فقط في السودان يمكن أن يسد الفجوة الغذائية العربية بصورة مستدامة".
وتابع "الناير": "إذا نظرنا للمشكلات التي تواجه الوطن العربي والعالم أجمع، نجد أن هناك مشكلة في المياه وحرب عالمية متوقعة حولها، علاوة على النقص في الغذاء وارتفاع أسعاره بصورة غير مسبوقة، بجانب التغيرات المناخية، في ظل كل تلك التعقيدات يفترض على الدول العربية، خاصة التي لديها أموال وصناديق سيادية، أن تستثمر في الدول العربية التي لديها موارد طبيعية ضخمة لتأمين الغذاء للوطن العربي و للدولتين معا "الدولة المستثمرة و المستضيفة للاستثمار"، وإن لم تفعل الدول العربية ذلك، فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدا."
ثلث سكان الوطن العربي لم يحصلوا على الغذاء المطلوب:
كان تقرير أممي صدر الخميس الماضي قد ذكر أن 69 مليون شخص في العالم العربي عانوا من سوء التغذية عام 2020، وأن ثلث سكان المنطقة البالغ عددهم 420 مليون نسمة، لم يحصلوا على غذاء كافٍ.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في تقرير لها إنه بين عامي 2019 و2020، عانى 4.8 مليون شخص في العالم العربي من سوء التغذية "في جميع الطبقات الاجتماعية والبلدان المتأثرة أو غير المتأثرة بالنزاعات".
وأشارت المنظمة إلى أن أكثر الدول تضررا هي الصومال، حيث يعاني 59.5% من السكان من الجوع بينما تواجه الحكومة الهشة تمردا مسلحا منذ عام 2007، واليمن الذي يشهد حربا منذ سبع سنوات حيث طال الجوع 45.4% من السكان".
كما سجل اليمن الرقم القياسي في عدد الإصابات بفقر الدم الذي عانت منه 61.5% من النساء في سن الإنجاب حتى عام 2020.
وبذلك يكون الجوع قد تفاقم بنسبة 91.1% في العالم العربي على مدى العشرين سنة الماضية، حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة.