بنوك دولية تتنبأ بالأمر... الحكومة المصرية تستعد للتعامل مع تدهور محتمل في الجنيه
تتصاعد تحذيرات بنوك استثمار عالمية من أنّ العملة المصرية مرشحة للهبوط في ظل مخاطر تتعلق بتقلبات في التدفقات الأجنبية خلال الأشهر المقبلة.
ذلك مع مخاوف وحالة ترقب من دخول مصر نفق تهاوي العملات الذي انزلقت إليه العديد من دول المنطقة العربية، فضلاً عن تركيا التي تشهد أسواقها ارتباكاً حاداً بفعل تدهور الليرة، رغم المؤشرات القوية للاقتصاد.
وفي خضم هذه التحذيرات، أقدم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" على إصدار قرار بتشكيل مجلس للتنسيق بين السياسة النقدية للبنك المركزي والسياسة المالية للحكومة؛ وهو ما اعتبره مسؤول سابق في البنك المركزي أنه يأتي في إطار حزمة من التحوطات لمواجهة أي أزمات مالية قد تحدث في مصر، نتيجة تداعيات أزمة جائحة كورونا وتأثيرها بالاقتصاد العالمي.
ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عمن قالت إنه "مسؤولٌ سابق في البنك المركزي المصري"، قوله إن قرار تشكيل المجلس جاء متأخراً، لأنه منصوص عليه بموجب قانون البنك المركزي الأخير الصادر في 2020، لافتاً إلى أنه جاء بعد فترة طويلة من التضارب في السياسات المالية التي تضعها الحكومة من جهة والسياسات النقدية التي يضعها البنك المركزي من جهة أخرى، وهو دليل على عدم وجود سياسة اقتصادية شاملة داخل الحكومة.
شعور بأن هناك مشكلة ستقع في البلد:
رجح المسؤول أن يكون قرار تشكيل المجلس التنسيقي للسياسات المالية والنقدية قد جاء "نتيجة شعور بأنّ مشكلة ستقع في مصر إذا رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) سعر الفائدة، ولذلك فإن الحكومة تحاول النظر في حلول مالية ونقدية من منظور جماعي يشمل البنك المركزي والوزارات الاقتصادية، وخاصة في ظل التقارير التي تشير إلى أنّ العملة المحلية مرشحة للهبوط"، مضيفاً: "هناك بعض المؤشرات التي تجعل الحكومة في حالة تحفز".
تأثير إمكانية رفع الفائدة في أمريكا على مصر:
يتوقع صانعو السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إقرار 3 زيادات للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في 2022، و3 زيادات أخرى في 2023، لمواجهة التضخم، وهو ما يعني وفق محللين ماليين أن تغادر رؤوس أموال أجنبية الأسواق الناشئة، ولا سيما من مصر التي تواجه مخاطر مالية وتتجه صوب أميركا.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" الأميركية للتصنيف الائتماني، إنّ على مصر أن تجد وسيلة لخفض دفعات فوائد الدين الأجنبي إذا كان لها أن تتفادى الوقوع في أزمة في حال ارتفاع سعر الفائدة العالمية في المستقبل.
ويعاني الاقتصاد المصري من معدل مرتفع من الديون الخارجية، فيما انخفاضاً في الدخل بالعملات الصعبة بسبب الكساد في السياحة.
وقفز الدين الخارجي لمصر إلى 137.85 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2021، مقابل 123.49 مليار دولار بنهاية يونيو/ حزيران 2020، بنسبة زيادة بلغت 11.57%، وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وبدأت مؤشرات استفحال التضخم العالمي خلال الأعوام المقبلة تهدد استقرار معظم الدول، وبينها مصر، خصوصاً مع تداعيات الأزمات، وأبرزها جائحة كورونا، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتفادي التغير السلبي في معدل التضخم، والحفاظ على مكتسبات التنمية، بحسب ما يقول المسؤول السابق في البنك المركزي المصري.
ويضيف أنه "على الرغم من حفاظ مصر على معدلات التضخم في مستوى متدنٍّ مقارنةً بدول أخرى، في ظل تداعيات أزمة كورونا، إلا أنه يجب عليها التعامل مع أزمة استفحال التضخم وتحديد خططها بشكل أكثر إيجابية".
ووفق تقرير حديث لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية، فإنّ "اعتماد مصر على التمويلات الخارجية يجعلها عرضة لتغيرات الظروف النقدية العالمية".
ولفت التقرير إلى أنّ تراجع السيولة العالمية يحمل مخاطر رئيسية لمصر. وأشار تقرير الوكالة إلى أنّ مصر قد تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، من دون أن يحدد نوع الدعم الذي قد تطلبه القاهرة من الصندوق.
وكان هناك اتفاق لا يتضمن تمويلاً، مطروحاً على الطاولة في مناقشات مصر مع الصندوق في عام 2019 بعد نهاية برنامج التسهيل الائتماني البالغة قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، لكن تحول الاتجاه بعد ذلك إلى برنامج دعم مالي مرتبط بجائحة كورونا العام الماضي، بقيمة 5.2 مليارات دولار.
أضرار قد حدثت بالفعل:
بالفعل فقد أثرت الأزمة العالمية في أسعار السوق المحلية في مصر، إذ ارتفعت أسعار معظم المنتجات ومواد البناء. ووفق مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات، انكمش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثاني عشر على التوالي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، متأثراً بارتفاع أسعار المنتجات، ما عرقل إنفاق العملاء، وسبّب انخفاض الطلبيات الجديدة بأسرع وتيرة في عام.
وأظهر المؤشر الصادر في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي سجل 48.7 نقطة، أي دون مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، وهو المستوى نفسه الذي بلغه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ماذا يمكن للمركزي المصري أن يفعل؟
يرى محللون أن البنك المركزي المصري، قد يلعب دوراً في التحوط من تبعات التضخم المتزايد، وذلك من طريق رفع أسعار الفائدة. لكن رفع أسعار الفائدة له جوانب سلبية أكبر متعلقة بتجميد الاستثمار.
كذلك قد تلجأ الدولة إلى إقرار تسعير مباشر لبعض القطاعات الرئيسية حال خروج حركة تداولها عن السيطرة، كما يحدث في الأسمدة وبعض مواد البناء واللحوم. ومن المفترض أن يتولى المجلس التنسيقي الذي صدر قرار جمهوري بتشكيله، التنسيق بين البنك المركزي والحكومة في هذا الشأن.
وتبدو الحكومة مرتبكة حيال التعامل مع التضخم والزيادة المحتملة في أسعار الفائدة العالمية التي تدفع رؤوس الأموال الأجنبية إلى الرحيل.
الحكومة تتوسع في الاقتراض:
يقول الباحث المتخصص في العلاقات الاقتصادية والنزاعات الدولية "إبراهيم نوار" إنه يجب الوضع في الاعتبار أن مصر توسعت في الاقتراض خلال سنوات انخفاض أسعار الفائدة، وما زال أمامها طريق طويل لتسدد أقساط الديون، وذلك معناه ببساطة أننا في الثلاث سنوات المقبلة على الأقل سنقترض بأسعار فائدة أعلى، وما دام سعر الفائدة على الدولار سيزيد، يجب على البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة لأنّ سعر الجنيه مربوط بمعدل ثابت تقريباً مع الدولار في الثلاث سنوات الأخيرة.
ويتابع: "إذا كان وزير المالية مصمم على فلسفة إطالة عمر الدين، فهذا معناه أنّ الاقتصاد بدلاً من أن يكون مقيداً بسلاسل ديون لمدة خمس سنوات، ستظل تلك السلاسل في رقبة الاقتصاد لمدة 50 سنة، وبأسعار فائدة قد تزيد على 9%".
ولا تستبعد بنوك استثمار عالمية حدوث صدمة جديدة للجنيه المصري، إذ قال بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" في سبتمبر/ أيلول الماضي إنّ الجنيه المصري "مبالغ فيه إلى حد ما" مشيراً إلى أنّ أرصدة النقد الأجنبي والقدرة التنافسية معرضة للخطر على المدى الطويل، وفق ما نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.