ما هو سبب ارتفاع الأسعار العالمي وهل سترجع لطبيعتها فيما بعد؟
القاعدة الاقتصادية تنص على أنه حينما يزداد الطلب على سلعةٍ ما، فإن سعرها سيزداد، وبالتالي سيسعى المنتجون لإنتاج كميات أكبر منها ليكسبوا فرصة بيعها بالسعر المرتفع، ولكن بنفس الوقت سيُحجم المشترون ويقل طلبهم بسبب غلاء السعر. وهكذا تعود الكفة لما كانت ويرجع السعر كما كان، وهذا ما يعبر عنه الاقتصاديون بأن السوق الحر يوازن نفسه بنفسه.
لكننا نرى اجتماع ثلاثة لم يجتمعوا قبل ذلك؛ وهم ارتفاع الطلب والعرض والأجور كذلك في سابقةٍ من نوعها. فما الذي يحصل في السوق العالمية؟ وهل ستبقى الأسعار في ازدياد؟
عصب النقل العالمي يعاني:
لو سألناك: ما هو أهم اختراع للإنسان على مر العصور ربما ستقول الكهرباء أو الانترنت ونحو ذلك وأنت محق، ولكن هل سيخطر على بالك الحاويات!
تقول "آنا نوجرني" عالمة الرياضيات الأمريكية: "إن الحاويات هي واحد من أهم اختراعات البشرية على الإطلاق".
فلولا الحاويات ما كان لديك جهازك التي تقرأ منه أو لباسك - حتى المصنعِ محليا منه- فإن المواد الخام المستوردة لصناعته تأتي بالحاويات أيضا. يا عزيزي إن تسعين بالمئة من الشحن العالمي يتم عن طريق البحر. وكما ستخمن فإنْ قلَّ عدد الحاويات سترتفع أسعار الشحن وتقل البضائع.
هل اختفت الحاويات إذن فجأة؟
أغلب المنتجات في العالم تُصدَّر من الصين - حتى شركة أبل الأمريكية ترسل المواد الخام من ثلاثة وأربعين دولة لتُجمَّع في الصين ثم توزع على العالم مرة أخرى وهذا ما يسمى "سلسلة التوريد" -.
حينما أغلقت الصين إغلاقا كاملا بسبب جائحة كورونا الأولى عام ألفين وعشرين، تعرضت حركة التجارة العالمية للشلل. وقبل أن تفرض الصين الإغلاق الكامل كان هناك سفن قد خرجت من الصين مسبقا محملةً بالبضائع فقررت شركات الشحن أن تفرغ حمولتها وترك الحاويات في موانئ الجهات المستوردة لأنها لن ترغب بإرجاع الحاويات للصين فارغةً وهي تعلم أنها لن تحمل شيئا من الصين بسبب الإغلاق هناك.
بدأت الحاويات تتراكم في الموانئ الغربية، خاصة عند المستورد الأكبر من الصين ألا وهي أمريكا. فوق ذلك عندما تعافت الصين وفتحت مرة أخرى أرسلت مساعدات طبية لدولٍ إفريقية وبقيت الحاويات هناك حتى وقتنا هذا لعدم وجود ما تُصدره هذه الدول فيها. باختصار هنالك حاويات، ولكنها في المكان الخطأ.
مساعدات أمريكا تزيد الطين بلة:
في شهر أيلول الفائت استورد الأمريكان من الصين بضائع بقيمة سبعة وخمسين مليار دولار أمريكي، وهذا الطلب الضخم سبَّبَه ارتفاع المستوى الاستهلاكي عند الأمريكيين والذي سببته المساعدات الأمريكية لشعبها؛ حيث صرفت الحكومة الأمريكية ماقيمته مئةٌ وتسعة مليارات دولار.
من هنا يقول "جيسان فورمان" الأستاذ في جامعة هارفارد: "إن السبب الرئيس في المشكلة الحالية هو الترف أو الرفاهية عند الأمريكيين". وذلك بسبب ازدياد السيولة بأيديهم.
المشكلة الأكبر هي أن الموانئ الأمريكية أصبحت كالثقب الأسود للحاويات، فبسبب الكثافة الكبيرة للحاويات الذاهبة لأمريكا فإن ملايين الحاويات تنتظر أمام الموانئ حتى تتفرغ. والعديد من المشاكل تنبع من هذه المشاكل، كل هذا جعل قيمة الشحن تزداد بشكل كبير لأن المصدرين يبحثون عمن يشحن ولا يجدون إلا بصعوبة، وارتفعت تكلفة شحن حاويةٍ واحدة من ألفي دولار منذ سنتين، إلى عشرين ألف دولار حاليا.
وبسبب كل هذا فإن كثيرا من المواد الأولية لا تصل للمصانع المطلوبة مما سيسبب قلة في الإنتاج في الأجهزة الكهربائية والغذائيات وغيرها وكما عرفت سابقا من القاعدة الاقتصادية، فإن الأسعار ستزداد كذلك.
هل ستستمر الأسعار بالصعود؟
لا يتوقع عودة الأسعار لخطها الطبيعي قبل أربعة أشهر، بسبب الطلب الغربي الكبير في أعياد الميلاد ورأس السنة، بالإضافة لعيد الصينين برأس سنتهم والذي سيقلل الإنتاج نظرا للعطلة وقتها. لا يتوقع الخبراء أن تتحسن الأوضاع قبل منتصف 2022، أو مع بداية 2023.