الطعم الأمريكي الذي قد يبتلعه الروس... هذا ما سيفعله غزو أوكرانيا باقتصاد روسيا
وجدت روسيا نفسه في الآونة الأخيرة بين نارين، فهي مضطرة للحفاظ على هيبتها وسطوتها من جهة، وتخشى من أن اقتصادها لن يحتمل التورط بأي مشاكل وأزمات في الجهة الأخرى، فانطبق عليها المثل القائل "العين بصيرةٌ واليد قصيرة".
الفخ الأمريكي:
كشفت صحيفة "العربي الجديد" في تحليلٍ مفصل نشرته، عن ماهية "الشرك الأمريكي" الذي سيورط روسيا بأزمة اقتصادية مستعصية في حال غزوها أوكرانيا أو مجرد الإعلان عن ذلك رسميًا.
في التفاصيل، فقد هدد الرئيس الأميركي "جوزيف بايدن"، يوم السبت الماضي، روسيا، بأنها ستواجه إجراءات صارمة في حال غزو أوكرانيا. وهنا يرى محللون أن الاقتصاد الروسي ربما يدخل في أكبر مأزق في تاريخه الحديث، وربما تكون أوكرانيا فخًا لاصطياد الرئيس "فلاديمير بوتين" في مياه معركة واشنطن وحلفائها مع "تحالف موسكوـ بكين".
ويعاني الاقتصاد الروسي، في الوقت الراهن من الضعف، بسبب تداعيات المتحور "أوميكرون"، واحتمالات ضعف مداخيل الطاقة، وهروب المستثمرين من الأصول الروسية، بسبب المخاطر الجيوسياسية واحتمالات الحظر الاقتصادي.
ورغم الموارد الضخمة التي تمتلكها روسيا، إذ أنها صاحبة أكبر مخزون احتياطي من الغاز الطبيعي وأكبر الصادرات، كما أنها كذلك أكبر منتج للنفط، ولديها احتياطات من الذهب تقدّر بنحو 8 آلاف طن متري، وأكبر دولة منتجة للألماس، إلا أنها دولة متواضعة من حيث حجمها الاقتصادي، ومتخلفة تقنياً في الصناعات المدنية وتقنيات الذكاء الصناعي والهواتف النقالة والسيارات.
وبالتالي، فإن الاقتصاد الروسي يعدّ من الاقتصادات الهشة التي ليست لديها مقاومة الضغوط الخارجية، خاصة ضغوط الحظر المشدد الذي تخطط له الولايات المتحدة في حال غزو أوكرانيا.
فاتورة تحدي أكبر اقتصاد في العالم:
حسب وكالة "بلومبيرغ" الإخبارية، فإن قائمة الحظر الغربية التي تعدّها واشنطن وحلفاؤها في أوروبا ومجموعة السبع على روسيا، تتكون من حظر المتاجرة في أصول الديون الروسية، التي تضم الدين العام أو الدين السيادي وديون الشركات الروسية الخاصة، وحظر تحويل الروبل إلى الدولار والعملات الصعبة الأخرى، مثل اليورو والين الياباني والفرنك السويسري.
وتقدّر شركة "ستاتيستا" المتخصصة في البيانات المالية، حجم الدين السيادي لروسيا بنحو 296.29 مليار دولار، بنهاية العام الجاري. كما تقدّر شركة "آي أن جي" الاستثمارية ديون الشركات الروسية بالعملات الصعبة بنحو 33 مليار دولار.
وبالتالي، فإن تطبيق مثل هذا الحظر سيدخل الشركات الروسية المقترضة بالدولار والعملات الصعبة في مخاطر التخلف عن السداد وربما الإفلاس، إلى جانب ارتفاع كلف التأمين عليها في الأسواق العالمية.
وإلى جانب حظر التعامل في أصول الدين، تخطط الولايات المتحدة ومجموعة السبع كذلك لحظر المؤسسات المالية والبنوك التجارية الكبرى الروسية وحرمانها من التعامل مع النظام المالي الغربي.
من جانبها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن واشنطن تناقش حالياً مع حلفائها الغربيين احتمال حظر روسيا من استخدام نظام الحوالات الدولية "سويفت"، في حال الاستمرار في حشد جنودها على الحدود وتهديد أمن أوكرانيا. وهو من أنواع الحظر الخطرة التي ربما تعرقل تعاملات روسيا وتسوية مبيعات النفط والغاز بالدولار.
وبالتالي، فإن التحسن الذي طرأ على سعر صرف العملة الروسية خلال العام الجاري، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، ربما سيتبخر سريعاً هذا التحسن ويعود الروبل إلى التراجع الكبير مقابل الدولار في حال حظر روسيا. وتم تداول العملة الروسية خلال النصف الثاني من العام الجاري بين 70 إلى 73 روبل مقابل الدولار.
رحلة هروب من الأصول الروسية:
على صعيد الاستثمارات، حتى قبل حدوث التوتر الأخير بين واشنطن وأميركا حول أوكرانيا، فإن المستثمرين الأجانب بدأوا رحلة هروب من الأصول الروسية، وخفض حجم محافظهم الاستثمارية في بورصة موسكو.
في هذا الشأن، تشير بيانات شركة "آي أن جي" البريطانية المتخصصة في الاستثمار، أن أكبر أزمة سيواجهها الروبل الروسي في حال لم تتراجع روسيا عن تهديدها العسكري لكييف وخطط غزو شمال شرقي أوكرانيا، أو ما يعرف بإقليم دونباس، هو خطر جفاف الاستثمارات الأجنبية من السوق الروسي، بسبب مخاطر الحظر الثانوي الذي ستفرضه الولايات المتحدة على المستثمرين في روسيا.
وحسب بيانات "آي أن جي"، فإن روسيا تعاني مسبقاً من ارتفاع في معدل هروب الاستثمارات الأجنبية، حيث بلغت الأموال الهاربة من السوق الروسي 33.9 مليار دولار في الربع الثالث من العام الجاري، وتتوقع الشركة أن ترتفع إلى 69.5 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
ويرى محللون أن روسيا في حال لم تتراجع عن تهديد سيادة أوكرانيا ستخسر مستثمري دول الاتحاد الأوروبي في بورصة موسكو، حيث تضخ دول الاتحاد نحو 75% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في روسيا.
كما أن شركة "غاز بروم" التي تصدّر نحو 40% من إجمالي احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي ستضرر على المدى الطويل، وكذلك صادرات النفط الروسي للدول الأوروبية، خاصة دول أوروبا الشرقية التي كانت في السابق تابعة للإمبراطورية السوفييتية.
ويُذكر أن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتز هدد موسكو بتعليق ترخيص أنبوب "نورد ستريم 2" الذي ينقل نحو 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى ألمانيا.
ومن بين المنتجات الرئيسية الأخرى التي ستتضرر من أي حظر مشدد ضد موسكو، حسب تحليل غربي، ستكون الصادرات الزراعية، خاصة صادرات القمح الروسي، حيث إن روسيا رابع أكبر مصدّر للقمح في العالم، وتعتمد في جزء من صادراتها على السوق الأوروبي.
ماذا تستفيد روسيا من تقدمها بمجال الأسلحة والطاقة؟
على الرغم من التقدم الروسي في صناعات الأسلحة والطاقة النووية، فإن روسيا متخلفة إلى حد ما في الصناعات الدفاعية التقليدية وتعتمد على العديد من جزئيات التقنية المتقدمة، خاصة في مجال السفن الحربية، على استيراد تقنيات من دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ويرى محللون أن إجراءات الحظر المتوقعة من الولايات المتحدة ومجموعة السبع وحلفائها ستكون مدمرة للاقتصاد الروسي الذي يعاني من نسبة التضخم المرتفعة وهروب الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي ستزيد من معاناة المواطن الروسي.
وهكذا، سيتحالف تراجع العملة الروسية مع معدل التضخم المرتفع ليرفع غلاء أسعار السلع والمنتجات المستوردة إلى مستويات قد تضر بشعبية الرئيس فلاديمير بوتين.
عقدة سقوط الإمبراطورية الشيوعية:
على صعيد النفوذ الجيوسياسي، فإن موسكو تعاني من عقدة سقوط الإمبراطورية الشيوعية وخسارة نفوذها في أوروبا الشرقية بعد تفكك الإمبراطورية السوفييتية السابقة، وبالتالي يستهدف الرئيس بوتين توسيع النفوذ الجيوسياسي الروسي في أوروبا وآسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا الجنوبية، عبر الانقلابات العسكرية ودعم الأنظمة الأوتوقراطية.
ويرى محللون أن روسيا ورثت ترسانة أسلحة ذرية ضخمة يحسب لها العالم ألف حساب، ولكنها لا تملك مقومات الدولة العظمى، مثلما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة أو الصين أو حتى اليابان وبريطانيا. إذ تفتقر للموقع الجغرافي الاستراتيجي وقوة الاقتصاد والتقدم التقني.
وبالتالي، يسعى الرئيس بوتين، الذي يتطلع إلى دور كبير في تشكيل "النظام العالمي" الجديد، إلى تقوية موقع روسيا في النفوذ العالمي، عبر المساومة على أسواق الطاقة وصادراتها، عبر الهيمنة على "أوبك+" وتحديد مسار سياستها، والتحالف مع بكين لمقاومة النفوذ الأميركي.