خفض الفائدة مجرد بداية... تركيا تخوض حرب الاستقلال الاقتصادي بسياسة وعقلية جديدة
يستمر سعر الليرة التركية بالتراجع إلى مستوى متدنٍ تلو الآخر، منذ دفاع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عن التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة وإعلانه عن "حرب الاستقلال الاقتصادي"، ليترك المحللين الاقتصاديين في حيرة من أمرهم بشأن مدى استعداده لترك العملة تهوي أكثر.
وكانت آخر تصريحات "أردوغان" بهذا الخصوص، حين قال البارحة الأربعاء الموافق لـ 8 كانون الأول: "أدعو كل من لديه أموال في البنوك أو مخبأة في مكان ما، وخاصة من العملات الأجنبية، لاستغلال الفرص التي ستوفرها سياساتنا الاقتصادية الجديدة."
وقد أججت هذه التصريحات تساؤلات عديدة في أذهان الناس، حول ماهية السياسة الاقتصادية الجديدة التي يتحدث عنها الرئيس، وسبب حثه للشعب التركيا بكل ثقة أن يخرجوا أموالهم و "يستغلوا الفرصة" في هكذا وضع.
على أي حال يمكن تلخيص سياسة الحكومة التركية التي لم تعلن عن تفاصيلها صراحةً، بـ 3 خطوات قرأها الخبراء بين السطور واستشفوها من التحركات الحالية...
أولًا: سد الثغرات التي تسهل المضاربة على الليرة
ذكر الباحث المتخصص بالاقتصاد التركي الدكتور "أحمد مصبح" أن الرئيس التركي يحاول سد الثغرات الموجودة فيما يتعلق بسهولة عملية بيع الليرة، الأمر الذي يمكن به التصدي لمثل هذه الهجمات في المستقبل.
وقد تجلت هذه الخطوة حينما أمر "أردوغان" بفتح تحقيق في تلاعب محتمل بالعملة
وقال "مصبح" في تصريحاتٍ لوكالة "الجزيرة" الإخبارية: "يمكن بهذا التحقيق الوقوف بصورة دقيقة على مصدر وأهداف هذه العمليات البيعية لليرة خاصة أنها تتم في وقت واحد وضمن حملة ممنهجة، ومن ثم مصارحة الشعب في هذا الموضوع، لا سيما في ظل اشتعال وتيرة الحرب الاقتصادية على تركيا".
ويتوقع الباحث الاقتصادي انعكاس التحقيق إيجابًا على الليرة لكن بشكل محدود من خلال الإجراءات الوقائية الممكن اتخاذها في هذا السياق، وحسب نتائج التحقيق.
بدوره، ذكر "متين إيرول" أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة "أرتوكلو"، أن المضاربات وسحب الليرة إلى ملعب السياسة، قبل الاستحقاقات الانتخابية، هي السبب المباشر في قرار أردوغان بفتح تحقيق، خاصة بعد تراجع سعر الصرف والاشتغال على مخاوف الأسواق بعد تخفيض سعر الفائدة والتوقعات باستمرار التخفيض.
ورجّح "أيرول" ألا تقتصر المضاربة على من وصفهم بالأدوات المحلية، بل ثمة مضاربة وانسحابات لأموال خارجية أيضًا، بهدف منع تركيا من الاستقلال بقرارها الاقتصادي وإبقائها مرهونة للوبي الفائدة المرتفعة والدول الكبرى.
وأضاف: "المضاربون سيتكبّدون خسائر في حال أثبت التحقيق علاقتهم بتدهور الليرة، كما أن الليرة ستنتعش وستستقر بعد استيعاب السوق صدمات تخفيض سعر الفائدة، وستظهر النتائج الاقتصادية والمؤشرات المرتفعة، خاصة في قطاعي الإنتاج والصادرات".
ثانيًا: تحويل الاقتصاد التركي من الاستهلاك إلى الإنتاج
ينطلق الرئيس من أن بلاده نجحت في تجربتها الاقتصادية من خلال الاقتصاد الحقيقي، ووصولها لأكبر 20 اقتصاد في العالم كان نتيجة التحسن في ناتجها المحلي الإجمالي، من خلال إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي لا بد من المحافظة على هذه الميزة.
ويرى "أردوغان"، أن وصول سعر الفائدة إلى 24% أو 19%، يعيق الإنتاج والاستثمار، ويدفع الأفراد والمؤسسات إلى أن يضعوا أموالهم في البنوك، ويغلقوا الشركات والمؤسسات، مكتفين بما يأتيهم من فوائد على أموالهم.
وبلا شك أن هذا السلوك، يحول الاقتصاد التركي إلى اقتصاد ريعي، ويفقده أهم مقوماته كاقتصاد إنتاجي.
وتأتي وجهة نظر الرئيس متسقة مع النظرية الاقتصادية في كون رفع سعر الفائدة، يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم من جانب العرض، لأنه يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج.
وذكر "أردوغان" أن بلاده لا تعاني من نقص في احتياطات العملات الأجنبية، مشيرا أن الاحتياطي الحالي يبلغ 124 مليار دولار.
ولكن لارتفاع معدلات التضخم أسباب أخرى، من بينها خفض قيمة العملة، لذلك فأمام صانع السياسة الاقتصادية في تركيا مهمة صعبة، فعليه معالجة الأمر، بما يحقق مصالح المستثمرين، والمدخرين، والمستهلكين.
ثالثًا: استغلال قوة القطاع المصرفي في تركيا
أكد محافظ البنك المركزي التركي "شهاب قوجه أوغلو"، أن القطاع المصرفي يمكنه التغلب على تقلبات السوق، وأعلن أنه ناقش التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة مع ممثلين عن البنوك في اجتماع بعد انخفاض الليرة التركية إلى مستويات قياسية.
وبعد اجتماع مع مصرفيين كبار وممثلين عن هيئة التنظيم والرقابة المصرفية، قال المحافظ إن المشاركين أجروا تقييمات عامة للتطورات الاقتصادية، وأشار إلى أن القطاع المصرفي "قوي للغاية".
وقالت جمعية البنوك التركية، في بيان، إن الاجتماع ناقش التطورات العالمية والمحلية والأسواق وتطورات القطاع المصرفي، ووصف الاجتماع بأنه "كان مفيدا للغاية".
وذكر ممثلو هيئة التنظيم والرقابة المصرفية في الاجتماع أن الهيئة ستدرس اتخاذ تدابير، مثل تحديد نسبة كفاية رأس المال في البلاد وفقًا للاحتياجات القطاعية، والبقاء على توافق مع المعايير الدولية.
وأظهرت بيانات المركزي التركي قدرة تحمل المصارف التجارية التركية للصدمات، كاشفة أنّ البنوك التجارية في البلاد في وضع صحي جيد ولديها سيولة كافية لمقاومة أزمة الليرة. وحسب محللين، فإنّ هذا العامل خفف الضغوط على "أردوغان".