الأمر ليس بهذه الصعوبة... هكذا يمكن أن تحمي الحكومات شعبها من التضخم لو أرادت
تذرعت بعض الحكومات خلال الآونة الأخيرة بمشكلة التضخم العالمي، والأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم ككل، كسببٍ لتبرير تردي المستويات المعيشية والحالة الاقتصادية المزرية التي وصلت لها شعوبها. وهذه، وفقًا للمطلعين على الأوضاع هناك، هي حجة باطلة وتبرير ضعيف.
في هذا الصدد، تحدثت صحيفة "العربي الجديد" مطولًا حول هذا الأمر في أحد تقاريرها، وقد سردت الأساليب التي يمكن للحكومات باستخدامها مواجهة التضخم وإنقاذ الشعوب من عواقب الأزمات العالمية لو أرادت ذلك.
مقابل كل هذه الضرائب والرسوم... على ماذا يحصل المواطن؟
من بين الوظائف الأساسية لأي حكومة، توفير السلع والخدمات للمواطن بالمجان، أو على الأقل بتكلفة تناسب دخله، ذلك لأنها تحصل من ذلك المواطن على ضرائب ورسوم ضخمة تدر المليارات على خزانة الدولة، وأحيانا تمثل الضرائب وحدها أكثر من نصف الإيرادات العامة، بل وقد تصل في بعض دولنا العربية إلى نحو 80%.
وعندما تندلع أزمة، أمنية، سياسية، اقتصادية، مالية، اجتماعية وغيرها، فمن واجبات الحكومات التدخل لحلها بشكل عاجل. وهذا الأمر ليس مكرمة أو ميزة يحصل عليها مواطنو الدول المتقدمة، بل من المفترض أن يكون خدمة أساسية مقابل كل الضرائب والرسوم المدفوعة للدولة في كل مجالات الحياة.
ليس المطلوب أن تأخذ الحكومة دور التاجر الجشع:
ليس المطلوب من أي حكومة التحول إلى تاجر جشع يحقق الأرباح ويحصد العوائد على حساب المواطن، أو تتحول إلى سمسار كل همه الأول هو فرض الضرائب وزيادة الجمارك والرسوم وجمع الأموال، وشفط ما بقي من أموال في جيب المواطن، دون أن يسألها أحد عن المقابل الذي تؤديه مقابل كل هذه الأموال المتدفقة على الخزانة العامة.
وإذا كان من الأدوار والمهام التي تقوم بها الحكومات وتحرص عليها، جمع الضرائب والرسوم، فإنه يسبق تلك الخطوة توفير خدمات مجانية للمواطن، ومعها توفير السلع الضرورية، وكذا الخدمات مثل التعليم والصحة، ومكافحة الغلاء والاحتكارات والفقر والبطالة والعشوائيات وغيرها من الأمراض المجتمعية والاقتصادية.
والأولوية الآن بالنسبة إلى الحكومات في كل دول العالم، إطفاء نار التضخم التي باتت تلسع الجميع، الاقتصاد والمواطن والعملة المحلية وأسواق الصرف، وألا تترك المواطن نهباً للغلاء والفقر والعوز.
إذا كانت الأزمة شاملة العالم كله... ماذا في يد الحكومات فعله أساسًا؟!
البعض قد يتساءل: "وماذا في يد الحكومة من أدوات لمواجهة أسعار السلع التي تزداد عالمياً، وخاصة الوقود، النفط والغاز، وكذا أسعار الأغذية التي سجلت أعلى مستوياتها في عشر سنوات".
في الواقع، إن الحكومات في يدها الكثير، والبداية تكون بتوفير السلع بسعر رخيص عبر المنافذ والشركات التي تمتلكها، ومكافحة احتكارات التجار.
وهناك أدوات أخرى سريعة لخفض الأسعار، أبرزها زيادة الأجور وتحسين الرواتب والمعاشات، وتقديم الدعم النقدي المباشر للمواطن والأسر المتضررة من زيادة الأسعار كما يحدث حتى في الدول التي تتبني المنهج الرأسمالي القائم على نظيرة قوى العرض والطلب، وخفض الجمارك على السلع الغذائية المستوردة مثل الدقيق والأرز والسكر واللحوم والألبان.
وأن تتوقف الحكومة عن سياسة خفض الدعم المقدم للسلع الرئيسية، من وقود، مثل بنزين وسولار وغاز طهو، أو سلع تموينية، بل المطلوب زيادة مخصصات الدعم في الموازنة العامة للدولة خاصة للسلع الحياتية والتموينية.
كما أن على الحكومة التوقف عن زيادة الرسوم المفروضة في المؤسسات الخدمية العامة مثل المرور والشهر العقاري والأحوال المدنية والجوازات وغيرها، بل يجب خفض تلك الرسوم، وهو ما يوفر للمواطن سيولة نقدية يمكن توجيهها لشراء السلع الأساسية، ومواجهة ارتفاعات الاسعار.
وكذا التوقف عن زيادة الضرائب على شريحة الموظفين والطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والمتوسط، أو توسيع رقعة الخاضعين للضرائب، فالوقت غير مناسب لزيادة الأعباء الضريبية.
وفي المقابل على الحكومة التحرك لزيادة الضرائب على الأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات وشركات التقنية العالمية، مع الاهتمام بملف التهرب الضريبي والجمركي والفساد المالي، وخفض ضريبة القيمة المضافة التي باتت تمثل عبئاً على أطراف السوق، المستهلك والمنتج والموزع والتاجر.
كما يمكن للحكومة خفض تسعيرة المواصلات العامة، وإلغاء أي ضرائب على استهلاك المياه والكهرباء، أو على الأقل خفضها في الوقت الراهن، ومنح المواطن بدل غلاء المعيشة كما يحدث في بعض الدول.
ماذا تفعل الدول المتقدمة عند الأزمات؟
عندما زادت أسعار البنزين والسولار في الولايات المتحدة، تحركت حكومة "جو بايدن" سريعاً لمواجهة الأزمة وضربت بكل ما دون مصلحة مواطنيها عرض الحائط.
فتوجهت لخفض الأسعار واللجوء إلى احتياطي النفط الاستراتيجي والضغط على الدول النفطية وتحالف "أوبك+" لزيادة الإنتاج، وقامت الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم بتقديم الدعم النقدي المباشر لمساعدة المواطن على مواجهة ارتفاعات أسعار الوقود والأغذية، خاصة فواتير الكهرباء.