من فترة الشباب إلى التقاعد... نصائح مالية لرسم الخطوط العريضة في كل مرحلة من حياتك
ليس من الحكمة أن يقضي الإنسان كل مراحل حياته حاملًا عقلية واحدة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالشؤون المالية؛ ذلك أن كل مرحلة من عمر الإنسان لها خصوصيتها من ناحية الإيجابيات والسلبيات والموارد المتوفرة ومرونة المخاطرة والتغيير.
أولًا: مرحلة الشباب
تعتبر هذه المرحلة هي الأهم في عمر الإنسان، لأنها مرحلة تراكم الخبرات والتجارب. عند هذه النقطة لا يجب أن تتوقع أنك ستصل إلى الثراء أو حتى الاستقلال المالي، بل ينبغي أن تكون مستعدًا لتحمل كم هائل من الأخطاء التي تضطرك للبدء من الصفر في كل مرة.
لذلك لا ينبغي أن تشعر باليأس ويجب أن تشحذ طاقتك في كل مرة للاستفادة وإعادة المحاولة؛ أما الخطأ القاتل الذي يرتكبه البشر في هذه المرحلة هو أنهم يحصرون أنفسهم في مجال واحد يدر عائد مضمون ويتوقفون عن التعلم والتجربة.
تذكر جيدًا، بعد الانتهاء من مرحلة الشباب ستفقد ميزة البدء من الصفر، وستتراكم عليك مسؤوليات تسلب منك القدرة على التحكم في قراراتك بالمرونة المطلوبة، يمكن اعتبار الأمر كلعبة كان يمكنك إعادتها في كل مرة عند الفشل ضمن وقتٍ محدد، وعند انتهاء الوقت سيعني ذلك الخسارة.
بالنسبة للهجرة أو تعلم لغة جديدة أو اكتشاف آفاق جديدة فهذه هي أنسب مرحلة لفعل ذلك.
ثانيًا: مرحلة الثلاثينيات
في هذه المرحلة يجدر بك التوقف عن التجربة والثبات على طريق محدد يكون نتاج كل تجاربك السابقة. ومن المنتظر أن تكون هنا قد حصلت على القدر الكافي من المال للتفكير في مشروع صغير أو بدء خطة تجارية واعدة، أو أنك قد حصلت على ما يكفي من الخبرة للالتزام بوظيفة تدر دخل مالي جيد.
أفضل وصف لهذه المرحلة هو أنها مرحلة البناء بعد الانتهاء من جمع الموارد، وأكبر غلط فيها هو ترك الموارد التي بين يديك (الخبرات التي حصلت عليها في فترة الشباب)، ومحاولة إنجاز بناء آخر بموارد جديدة (الدخول في مجال جديد لا تعرف عنه شيئًا).
في هذا العمر ستبدأ المسؤوليات بالتراكم عليك بالتدريج، لذا فلا بد من دراسة كل خطوة جيدًا وتقليل الأخطاء قدر الإمكان، فثمن ارتكاب الخطأ بات يصبح أكثر تكلفة.
رابعًا: مرحلة ما بعد سن الـ 40
إذا مرت مرحلة الثلاثينيات بنجاح فلا بد أنك وصلت هنا إلى الاستقلال المالي أو اقتربت منه، وإذا واجهتك في المرحلة الماضية بعض العقبات فلا بأس ما زال لديك الوقت لتكمل طريقك.
أفضل وصف لهذه المرحلة هو أنها مرحلة الاستقرار، إذ أن حياة الإنسان تبدأ بأخذ طابع روتيني ويبدأ بالتأقلم مع المسؤوليات التي على عاتقه والوظائف التي يشغلها. والخطأ الكبير في هذه المرحلة هو الدخول في أعمال أو استثمارات عالية المخاطرة بنسبة كبيرة من الموارد الموجودة.
من هنا لا بد من التفكير بالمستقبل، مستقبلك أنت ومستقبل كل من يقع على عاتقك (عائلة وأولاد). لذا يجب التخلص من الانشغال بأي أعمال تستهلك طاقتك ووقتك وتلهيك عن التفكير في مستقبلك المالي.
والأهم أيضًا أن تنتهي من هذه المرحلة وبحوزتك خطة واضحة للتقاعد، حتى إن لم تكن تخطط للتقاعد مبكرًا. بالإضافة إلى ذلك من الضروري أن تبدأ بالبحث عن مشاريع الدخل السلبي وهي المشاريع التي تدر عليك المال بدون أن تتطلب وجودك شخصيًا وانشغالك لساعات طويلة.
الأفكار التي تطلب البدء من الصفر كالهجرة من أجل البحث عن عمل، أو ترك مجالك الحالي للانتقال إلى العمل أو الاستثمار في مجال آخر، هي أفكار محظورة في هذا العمر إلا للضرورة القصوى.
إذا كنت تشعر بأنك تملك ما يكفي من الوقت للبدء بمجال جديد، فالأجدر بك استغلال هذا الوقت بتطوير الخبرات والمعارف التي أنت بالفعل قد اكتسبتها.
خامسًا: مرحلة التقاعد
التقاعد هو أكبر تحول يحدث في حياة معظم الناس، غير أن قلة منهم تخطط لها على نحو ملائم. يقول "كريستوفر بروكس" مدير السياسات بجامعة العصر الثالث فرع المملكة المتحدة، إن التخطيط للمستقبل -من الناحيتين العاطفية والمالية- يصبح أكثر أهمية من ذي قبل في ظل الكساد العالمي الذي يهدد كبار السن من الموظفين بالتقاعد بأسرع مما كان متوقعا.
في هذه المرحلة يجب أن تضمن أن المال بات يعمل من أجلك، وتتخلى تمامًا عن فكرة العمل لأجل المال. والتقاعد المثالي هو ذلك الذي يدع لك الفرصة في التفكير بأمور أكثر أهمية وسموًا من القضايا المالية وكسب لقمة العيش.
إذا وصلت للتقاعد ولم تحقق الاستقلال المالي بعد فلا بأس باللجوء إلى أعمال صغيرة وغير متعبة، ولا مشكلة أيضًا في طلب المال من أولادك بشكل شهري فهم أيضًا بشكلٍ ما أحد أشكال الاستثمار التي يخوضها الإنسان في حياته، والحصول على مساعدتهم المالية سيكون واجب عليهم لا مكرمة.