من بينها الجنيه المصري... 4 عملات مؤهلة للتدهور قريبًا فيما يسمى بموسم تهاوي العملة
شاهدنا جميعًا خلال الفترة الماضية ما حدث في تركيا من تدهور وتهاوي سعر الليرة هناك، ولكثرة التركيز الإعلامي على تركيا كأحد أكبر اقتصاديات المنطقة، غفل الناس عن مؤشرات انهيار باتت تظهر بشكل واضح في دول نامية أخرى.
يعتقد الخبراء أن تهاوي الليرة التركية لا يمثل الحالة الأولى في أسواق الصرف العالمية خلال الفترة الماضية، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق انهيار العملة التركية انهيارات في عملات عربية وعالمية أخرى، في مقدمتها الليرة اللبنانية والليرة السورية والريال اليمني والجنيه السوداني، وأخيرا الدينار الجزائري، وقبلها الجنيه المصري الذي تهاوى في أواخر 2016 عقب تعويمه كشرط من صندوق النقد الدولي لاقتراض 12 مليار دولار.
وبينما يدخل العالم دورة اقتصادية جديدة في العام المقبل ترتفع فيها أسعار الفائدة المصرفية وأسعار الطاقة ومعدلات التضخم، تتوقع بنوك استثمار ومؤسسات مالية عالمية أن تواجه العديد من الدول أزمات اقتصادية وتزايد مخاطر انهيار عملات الاقتصادات الناشئة.
العملات التي تنتظر انهيارًا في الفترة القادمة:
وفق تحليلاتٍ نشرتها مصارف استثمارية، فإن العديد من عملات الاقتصادات الناشئة ستواجه مخاطر الانهيار، خاصة تلك الصادرة في الدول التي تعتمد بشكل كلي على الخارج من حيث استيراد الغذاء والطاقة، واستدانت بكثافة عبر السندات الدولارية منذ بداية جائحة كورونا.
في هذا الشأن يقول مصرف "نومورا" الياباني، إن هنالك أربع عملات من عملات الدول النامية ستواجه أزمة خلال الفترة المقبلة، من بينها العملة المصرية.
وحسب تحليل المصرف فإن هذه العملات هي، الجنيه المصري والـ" ليو" الروماني والبيسو المكسيكي الذي تراجع سعر صرفه هذا الأسبوع إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار في 8 شهور والروبية السيريلانكية.
وبحسب مصرف "نومورا"، فإن ارتفاع الدين الخارجي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي وتراجع حجم الاحتياط الأجنبي كنسبة من الواردات ستكون من أهم محددات قوة العملات في العام المقبل 2022 الذي بات من المتوقع أن يرتفع فيه سعر صرف الدولار عقب زيادة سعر الفائدة عليه، وربما تعيش الأسواق الناشئة فيه أزمة سيولة دولارية مع ارتفاع كلفة الاقتراض.
ويرى المستثمر الأميركي "مارك مابيوس" في تعليقات لقناة "سي إن بي سي" الأميركية، أن "جميع الدول الناشئة التي لديها مديونية مرتفعة بالدولار ستواجه عملاتها أزمة في سوق الصرف خلال العام المقبل". ولا يستبعد "مابيوس" أن تمتد أزمة الليرة التركية إلى العملات الناشئة الأخرى.
الدول الناشئة تغرق بالديون وتحتاج إلى الدولار أكثر:
لاحظ البنك الدولي في تحليل بتاريخ سبتمبر/ أيلول الماضي أن ديون الاقتصادات الناشئة والنامية ارتفعت في المتوسط بنسبة 30% خلال العام الجاري. وهو ما يعني أن الدول الناشئة وشركاتها ستحتاج إلى مزيد من الدولارات لتلبية خدمة ديونها وتسديد فواتير الطاقة المستوردة.
وحتى الآن تتركز الأنظار على الليرة التركية بسبب ثقلها في تجارة الصرف العالمي وحجم الاقتصاد التركي ونفوذ تركيا داخل مجموعة العشرين وتأثيرها الجيوسياسي.
وربما تكون الليرة التركية أفضل حالاً في العام المقبل بسبب الترتيبات الخاصة التي نفذها البنك المركزي التركي عبر "مقايضات العملة" مع عدة دول، وقوة الصادرات التركية، وربما عودة السياحة التي تعد من مصادر العملات الصعبة في تركيا، إضافة إلى اكتشافات البترولي والغاز والذهب الأخيرة.
ووفق محللين، فإن تراجع سعر صرف الليرة ساهم في ارتفاع الصادرات التركية التي من المتوقع تجاوز قيمتها 220 مليار دولار خلال العام الجاري، وربما سيساهم ذلك في المستقبل في جذب المزيد من السياح الأجانب والاستثمارات للبلاد.
سيناريو الليرة التركية قد يتكرر مع دول أضعف اقتصاديًا من تركيا:
وفقًا لما يشرح مطلعون على الواقع الاقتصادي التركي، فإن أزمة تركيا تتمثل في ارتفاع حجم ديونها قصيرة الأجل، خاصة الديون الدولارية وديون اليورو في وقت تتجه فيه الولايات المتحدة نحو زيادة معدل الفائدة على الدولار. ولكن هنالك العديد من عملات الدول الناشئة التي لا يتوفر لها الدعم المتوافر للعملة التركية خاصة من إيرادات الصادرات القوية.
في هذا الشأن، يرى محللون أن عملات الدول الناشئة ستواجه ثلاثة عوامل رئيسية تهدد استقرارها خلال العام المقبل، وربما تقود إلى اضطرابات سياسية واحتجاجات شعبية.
وهذه العوامل هي، رفع سعر الفائدة الأميركية، وبالتالي زيادة قوة الدولار، والعامل الثاني، ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبالتالي زيادة أسعار المحروقات والمشتقات البترولية وتداعياتها على الدول المستوردة، والعامل الثالث ارتفاع معدل التضخم وغلاء السلع والمواد الغذائية، وهي كلها عوامل تضغط على عملات الأسواق الناشئة بما فيها عملات دول جنوب شرق أسيا والهند وجنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية.
على صعيد قوة الدولار، ترى البروفسورة "ميغان غرين"، أن "الدولار خلافاً لتوقعات الخبراء بتراجعه خلال العام الجاري، واصل قوته وربما سيرتفع أكثر في العام المقبل".
عملات عربية تحت الخطر:
لقد تهاوت بالفعل العديد من عملات دول المنطقة العربية في ظل تفشي وباء كورونا والنقص الحاد في إيرادات العملة الصعبة، وشهدت العديد من العملات العربية تراجعًا حادًا في سعر صرفها أمام العملات الأجنبية وبصفة خاصة أمام الدولار خلال العام الحالي، الأمر الذي زاد من متاعب المواطن وتسبب في غلاء المعيشة.
وأبرز مثال ما حدث لليرة اللبنانية التي تراجع سعرها أمام الدولار بشكل كبير خلال العام الجاري امتدادا لمسار التدهور المستمر منذ العام الماضي.
وتخطى سعر الدولار عتبة 24200 ليرة وفقا لما نقلته وكالة "رويترز" عن عدد من الصرافين. بينما بلغ سعر الصرف بداية العام الجاري في السوق الموازية نحو 8300 ليرة للشراء و8400 ليرة للبيع، لكل دولار. وفقدت العملة الآن أكثر من 93 بالمائة من قيمتها منذ صيف 2019 عندما بدأت الانفصال عن سعر الصرف الرسمي البالغ نحو 1515 ليرة للدولار، و3900 ليرة لأصحاب الإيداعات بالدولار في البنوك اللبنانية.
وعلى خلفية أسوأ أزمة إنسانية يعيشها الشعب السوري فقد تهاوت الليرة السورية بشكل حاد، وكان سعر صرف الدولار في السوق السوداء لا يقل عن 3500 ليرة، رغم كل مساعي الحكومة لتأمين الدولار والترشيد من استنزاف العملة الصعبة بأي ثمن، مما عمق التضخم وزاد معاناة الناس مقابل استقرار نسبي في قيمة العملة الظاهرية وليس في قدرتها الشرائية.
بالانتقال إلى السوان فقد شهد سعر صرف الجنيه السوداني تراجعًا كبيرا خاصة بعد قيام البنك المركزي بتحرير سعر الصرف رسميا في فبراير/شباط الماضي وقام بخفض السعر التأشيري لعملته من 55 جنيها للدولار إلى 375 جنيها في أول أيام القرار.
ويبلغ سعر صرف الدولار أمام الجنيه حاليا في السوق الموازي نحو 440 جنيها، بينما السعر الرسمي للشراء 436 والبيع 439 جنيها للدولار الواحد. يأتي ذلك مقابل سعر صرف للدولار بنحو 260 جنيها في السوق الموازي بداية العام الحالي، مقابل 55 جنيها في البنك المركزي.
وامتد التهاوي إلى الريال اليمني الذي واصل هبوطه الحاد الذي بدأه مند بدء الحرب قبل نحو 7 أعوام. ونقلت "رويترز" عن صرافين ومتعاملين في عدن قولهم إن سعر صرف الريال في السوق السوداء سجل نحو 1520 ريالاً مقابل الدولار للشراء و1540 ريالاً للبيع، مقابل السعر الرسمي المعلن من البنك المركزي في عدن، وهو 1518 ريالا للدولار للشراء و1521 للبيع، بينما كان سعر صرف الدولار في أول العام الجاري يدور حول نحو 690 ريالا.
أما الأحدث في تهاوي العملات العربية فهو الدينار الجزائري، الذي بات في فخ التعويم عقب التراجع المستمر له على خلفية أزمتي كورونا وتهاوي أسعار النفط والغاز خلال الجائحة، وسجلت العملة الجزائرية تراجعاً غير مسبوق، عند 139.2 ديناراً للدولار، و155 ديناراً لليورو، و185 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني، علماً أنه في بداية الأزمة النفطية في منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية يساوي 83 ديناراً للدولار الواحد.
وبهذا التهاوي يقترب سعر الصرف الرسمي من سعر السوق الموازية، حيث سجل 190 ديناراً للدولار و210 دنانير أمام اليورو و125 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني.
وبلغ سعر الدولار في السوق الموازية بداية العام نحو 180 دينارا للشراء و182 دينارا للبيع، مقابل السعر الرسمي حينها عند 132.12 دينارا للشراء و132.13 دينارا للبيع.