بدلًا عن الدولار والذهب... لبنانيون يهربون بأموالهم إلى العملات الرقمية رغم المخاطر
ازداد الإقبال على العملات الرقمية في لبنان خلال السنوات الأخيرة، رغم التحذيرات من مخاطر استثماراتها طمعا في أرباح طائلة وسريعة، وواكبت فئات في لبنان صعودها، لكن الإقبال عليها تنامى بشكلٍ لافت بعد الانهيار الذي أصاب البلاد منذ نهاية 2019.
سوق يستحق المجازفة من أجل شبابٍ لم يعد لديهم ما يخسروه:
إثر ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وخسارة الليرة أكثر من 95% من قيمتها، وتآكل الرواتب وحجز المصارف لودائع اللبنانيين بالعملات الصعبة، وجد شباب لبنانيون أن العملات المشفرة أضحت سوقا يستحق المجازفة، وتداعياتها برأيهم، ليست أسوأ من خسائر هائلة تكبدوها بالنظام المصرفي والاقتصادي.
ذلك ويؤكد الخبراء أن رصد حجم الاستثمار بالعملات الرقمية ببقعة جغرافية ما، مسألة معقدة للغاية، لأن تداولها الإلكتروني والمشفر لا يتيح تتبعها والاطلاع على بيانات مستخدميها.
لكن المراقبة العينية، تظهر أن فئات شبابية لبنانية -وتحديدا من البارعين بمجال التكنولوجيا- عززت استثماراتها بالعملات الرقمية، عبر الانضمام إلى مجموعات في "واتساب" (WhatsApp) أو "تلغرام" (Telegram) مثلا، حيث تجري معظم المعاملات الرقمية.
ويحذر خبراء لبنانيون من الاستثمار العشوائي بالعملات الرقيمة، استنادا إلى أنها مضاربة عالية المخاطر، ولأنها ليست بديلا عن العملات ولا يوجد مؤسسات لبنانية تقبلها للتبادل النقدي.
في هذا السياق، يعتبر الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي "عماد شدياق" أن لبنان أمام ظاهرة فعلية للتداول بالعملات الرقمية، بدون أن تشكل بديلا عن الدولار، وإنما تجاري الموجة العالمية من باب "تسالي الشبان واستشراء البطالة والطموح بالكسب السريع"، بعد الخسائر التي ترتبت على الليرة.
ويرى أنها أشبه بعملية سعي إلى تعويض الخسائر، عبر التبادلات بمبالغ ليست ضخمة، وما يحدث راهنا -برأيه- أن العملات الرقمية سلعة بحد ذاتها، بدلا من أن تكون وسيلة للمقايضة، وتكمن الخطورة في أن قيمتها تقاس بحجم إقبال الناس، مع المضاربة صعودا وهبوطا.
ويشدد "شدياق" على صعوبة تحديد مستوى التداول لبنانيا، والإقبال يُقاس عبر تتبع المجموعات على تلغرام وفيسبوك وتيك توك، وحجم المتابعين والمهتمين.
وقال في حديثه مع "الجزيرة نت"، إن موجة التداول بالعملات الرقمية في لبنان في بدايتها وتعتريها الفوضى، ويجدها البعض مستقبل العملات.
ما الرابط بين العملات الرقمية والأزمة اللبنانية؟
يجيب "شدياق" بأن هناك رابطًا بالتأكيد، وذلك لأسباب عدة، منها:
- أصبحت الأموال متداولة نقدا بيد اللبنانيين وليس بالمصارف، ولم يعزز الاندفاع إلى العملات الرقمية سوى التفتيش عن وسيلة لحفظ الأموال بدل وضعها بالمصارف، وحفظ العملة الورقية بوحدات إلكترونية.
- أزمة لبنان المصرفية وارتفاع سعر صرف الدولار خلقا عاملا نفسيًا باستسهال مغامرة البعض بجزء من أموالهم بعد أن خسروا الكثير بعد حفظها بالطرق التقليدية.
- الزخم الإعلامي العالمي للحديث عن إيجابيات العملات المشفرة، والاكتفاء بالحديث عن السلبيات من قبل المصرفيين وشهاداتهم ضعيفة لأنها تصب لصالح وجهة نظر المصارف.
وسبق أن قدرت خسائر النظام المالي اللبناني في المصارف بنحو 83 مليار دولار.
وهنا، يعتبر الباحث وخبير المخاطر المصرفية "محمد فحيلي" أنه بعد جائحة كورونا وانكباب الناس على التواصل أونلاين، تصاعد الانخراط بعالم العملات المشفرة، إذ جذبت من اندهشوا بارتفاع قيمة البتكوين، وسعوا إلى الاستثمار بعملات رقمية زهيدة، آملين في ارتفاع قيمتها.
ويحذر الخبير من انخراط اللبنانيين بهذا المجال، "لأن العملات الرقمية تسهل عمليات تبييض الأموال وتهريبها بين الدول بلا رقيب نظرا لسرية حركتها".
ملايين الدولارات من الخسائر... هل هذا صحيح؟
جرى الحديث مؤخرا عن خسارة لبنانيين ملايين الدولارات جراء التداول بالعملات الرقيمة. ويعتبر "فحيلي" أن هذه الأرقام مبالغ فيها، لأن "كثيرا من الأفراد استثمروا بمبالغ زهيدة لم تتعد 300 دولار للفرد الواحد".
ويذكر "فحيلي" أن منصات العملات الرقمية في لبنان -كمعظم الدول- غير مقننة وغير مشرع لوجودها، "أي معرضة لعمليات الاختلاس ويصعب ملاحقة ومحاسبة مرتكبيها".
وأوضح الخبير أن العملة المشفرة اقتصاديا اسمها "الموجودات الرقمية" ولا تملك مواصفات العملة، و"شراؤها يتطلب توفر الدولار النقدي".
وبين العملة المشفرة والليرة، هناك عملة ذات مصداقية وهي الدولار الأميركي، وفق "فحيلي"؛ مشيرا إلى أن المواطن اللبناني يفتش عن سيولة، "وحتى الذهب والمعادن لا تعطيه السيولة التي يريدها، لأنها تتطلب توفر الدولار النقدي الذي شح بالأسواق".
ويحذر الخبير اللبنانيين من التداول بالعملات المشفرة، نظرا للاضطرابات بالسعر، ويمكن خسارة الاستثمار بسهولة، "إذا طرأ عطل تقني يعوق وصول المرء إلى سلة العملة قيد التداول، أو إذا خسر كلمة السر الإلكترونية أو نساها"، وقال إن كثافة تعدين العملات الرقمية، يتسبب بهبوط حاد في قيمتها.
ويعتبر أن اختناق الاقتصاد اللبناني -بسبب انعدام الثقة بالقطاع المصرفي- ضاعف الإقبال على العملات الرقمية، ومع ذلك، تبقى المصارف -برأيه- عجلة الاقتصاد ومحركه، إذ لا يوجد اقتصاد بلا مصارف، وصندوق النقد الدولي وكل الجهات المانحة تتعاطى مع لبنان وكل الدول عبر القطاع المصرفي حصرا.