العقارات الافتراضية... سوق جديدة تتجاوز الخيال والأسعار فيها بملايين الدولارات

تخيل أن يعرض عليك عمل فني بقيمة ملايين الدولارات، لكنه متواجد على شاشة الكمبيوتر فقط، هل سيكون من الحكمة شرائه؟

إذا كنت تعتقد أن جواب هذا السؤال واضح ولا يستحق التفكير، فكن مستعدًا لتعلم أن الناس قد يشترون قريبًا عقارات بأكملها غير موجودة ولن توجد على أرض الواقع بأثمان باهظة أعلى من أسعار العقارات الحقيقية.

أما قصة العمل الفني فهي ليست مزحة أو تشبيه، لكنه السؤال الذي واجهه المستثمر المقيم في سنغافورة الذي يطلق على نفسه اسم "ميتاكوفان"، والذي احتل عناوين الصحف الشهر الماضي عندما اشترى العمل الفني الرقمي "كل يوم: أول 5000 يوم" للفنان الأميركي "بيبل" في دار كريستيز للمزادات.

العمل الفني كان عبارة عن رمز غير قابل للاستبدال أو ما يعرف بـ NFT، وهو نوع جديد من الأصول الافتراضية التي تم التحقق من صحتها وحالة ملكيتها بواسطة تقنية سلاسل الكتل( blockchain)، حيث انتشرت شعبية NFTs في عام 2021، وارتفعت أسعارها بشكل كبير.

وقبل التعمق بموضوع العقارات الرقمية لا بد من تعريف مفهوم سلاسل الكتل أو الـ "بلوك تشين"، وهي ببساطة عبارة عن أرشيف شديد التشفير يتم فيه تسجيل المعاملات الرقمية بمختلف أنواعها (غالبًا تستخدم لتشفير العملات الرقمية).

تقنية سلاسل الكتل تتجاوز مفهومها التقليدي... ليس عملات بل عقارات رقمية...!

باستخدام تقنية سلاسل الكتل يمكن شراء وبيع الأراضي والمباني والصور الرمزية وحتى الأسماء على أنها رموز غير قابلة للاسترداد، وغالباً ما تجلب مئات الآلاف من الدولارات.

هذه البيئات يشار إليها باسم metaverse، أو المساحات الافتراضية التشاركية، حيث يمكن للناس التجول مع الأصدقاء وزيارة المباني الافتراضية وحضور الأحداث الافتراضية داخل هذه المجمعات.

وتعرف ميتافيرس بأنها سلسلة من العوالم الافتراضية التي تضم تفاعلات لاحصر لها بين المستخدمين من خلال الأفاتار الخاص بكل مستخدم، والتي ربما لن تقتصر على ممارسة الألعاب والترفيه فقط، بل ستتيح هذه التقنية كذلك العديد من التفاعلات الخاصة بالأعمال. وتهدف ميتافيرس إلى أخذ تقنيات الواقع الافتراضي إلى مستويات غير مسبوقة.

يأتي ذلك المشروع الطموح لـ "ميتاكوفان"، الذي يعتبر أكبر مستثمر في الأصول غير القابلة للاستبدال في العالم، بعدما بلغت قيمة مجموعته من NFTs وأصول التشفير الأخرى عبر صندوق ميتابورص Metapurse، حوالي 189 مليون دولار، وفقاً لموقع NonFungible.com، وهو موقع يجمع بيانات سجل المبيعات من أسواق NFT.

مع هذا الجنون، تخطط شركة "أتاري" لألعاب الفيديو، لإطلاق عالم افتراضي خاص بها قائم على تقنية "بلوكتشين"، وسيتم الإعلان عن التفاصيل قريباً، وفقاً لما ذكرته الشركة لوكالة "رويترز".

من جانبه، قال رئيس قسم سلاسل الكتل في أتاري "فريدريك تشيسنايس"، إن البيئات عبر الإنترنت ستكون "كبيرة جداً"، وأضاف أن عقارات NFT قد تجلب يوماً ما ملايين الدولارات.

وأدى جنون NFT إلى زيادة الاهتمام بالبيئات عبر الإنترنت القائمة على تقنية "بلوكتشين". ويعد أشهرها Decentraland، وCryptovoxels، وSomnium Space، وThe Sandbox، حيث تصل أسعار العقارات الافتراضية إلى مستويات عالية جديدة.

وحققت منصة Decentraland مبيعات بأكثر من 50 مليون دولار، بما في ذلك الأراضي الافتراضية والأفاتار وأسماء المستخدمين والأجهزة القابلة للارتداء مثل الملابس الافتراضية، حيث باعت قطعة أرض مساحتها 41.216 مترا مربعا افتراضيا مقابل 572 ألف دولار.

كما تم بيع قطعة أرض أخرى في Decentraland مقابل 283,567 دولاراً، في حين قالت شركة Somnium Space إن عقاراً على منصتها قد حقق أكثر من 500,000 دولار في 16 مارس/ آذار.

شهد عالم العقارات الرقمية مؤخرًا بعض الصفقات المذهلة أيضًا، وبلغت حقوق ملكية "منزل المريخ"، وهو منزل زجاجي أنيق ولكن خيالي على الكوكب الأحمر صممته الفنانة "كريستا كيم"، أكثر من 500 ألف دولار. وللمقارنة، كان متوسط ​​سعر المنزل في العالم الحقيقي 380 ألف دولار في مايو/ أيار، وفقًا لبيانات Realtor.com.

هل سنشهد عقارات رقمية كما العملات الرقمية؟

في الواقع، يمكن أن تصبح الأعمال العقارية الافتراضية النزعة التالية، أو ينتهي بها المطاف بالانهيار الكبير التالي، إنها تشبه إلى حد ما الأيام الأولى لعملة بيتكوين. ويشعر بعض المستثمرين بالقلق بشأن ضياع فرصة شراء العقارات الرقمية في أكثر المنصات شهرة.

يقول "غوتييه زوبينجر"، رئيس العمليات والمؤسس المشارك لموقع NonFungible.com، الذي يتتبع أسواق NFT ويحلل البيانات: "من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان هذا جنونًا أم عبقرية خالصة.. ولكن ثمة بالتأكيد شيء ما هناك".

يتخيل الأشخاص الذين ينفقون أموالًا طائلة في "الميتافرسات" مستقبلًا يهاجر فيه الشباب إلى هذه العوالم لحضور التجمعات الافتراضية التي يشارك بها مشاهير من الحياة الواقعية، ويعرضون مجموعات NFT الخاصة بهم، ويتسوقون.

إنهم يتوقعون أن تنشئ العلامات التجارية الكبرى مراكز تسوق على الإنترنت حيث يمكن للمستخدمين التجول وشراء أشياء مثل الأحذية الرياضية لشخصيات الألعاب، وكذلك لأنفسهم بحيث يمكن شحنها إلى عناوين منازلهم.