راتب بدون عمل ولا أدنى جهد... تعرف على مفهوم الدخل الأساسي الشامل
يعرّف الدخل الأساسي الشامل على أنه مبلغ أساسي من المال يقدم شهريًا لجميع الأشخاص، وذلك بغض النظر عن حالتهم المهنية؛ فيحصل كل شخص على راتب شهري سواء كان عاطلًا عن العمل أو على رأس عمله.
لكن هذا المفهوم يتعرض إلى انتقادات قاسية وشديدة، فيرى المناهضون أن الناس بهذا الشكل سيكسلون ويمتنعون عن العمل وتنخفض إنتاجية الدول.
بينما يؤكد المناصرون أن هذه الاعتبارات عارية عن الصحة، إذ أجريت دراسة حول الدخل الأساسي الشامل في فنلندا لمدة عامين، وحصلت خلالها مجموعة عشوائية من الناس على دفعات شهرية من الحكومة، فوجد الباحثون أن المجموعة العشوائية لم تقدم إنتاجية أقل مما قدمته مجموعة التحكم على الرغم من حصول الأولى على راتب أساسي من الحكومة، ما عزز الحجج المؤيدة للدخل الأساسي الشامل.
ملاحظة: إن مجموعة التحكم في التجربة العلمية هي مجموعة منفصلة عن بقية التجربة، حيث لا يمكن للمتغير المستقل الذي يتم اختباره التأثير على النتائج. مما يعزل تأثيرات المتغير المستقل على التجربة ويمكن أن يساعد في استبعاد التفسيرات البديلة للنتائج التجريبية.
في الواقع، يشعر العالم بتعاظم الحاجة إلى نظام مالي جديد مختلف عن نظام الراتب مقابل ساعات عمل محددة، وذلك لأن الصناعة والأعمال تتجه نحو الأتمتة والاعتماد على ذكاء الحاسوب، وهكذا سيخسر الناس أعمالهم تدريجيًا في الوقت الذي تستمر أعداد البشر فيه بالتزايد.
ذلك علاوةً على اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهو أمر قد لا تصبر عليه البشرية طويلًا، فجميعنا ندرك أن ثروة واحد فقط من حيتان التكنلوجيا في العالم كافية للقضاء على الفقر تمامًا في بلد إفريقي، أو لإنقاذ ملايين الناس من المجاعة والتشرد.
وبغض النظر عن أخلاقية التفكير بهذا الأسلوب أم لا (أي مقارنة ثروة الأغنياء مع تعاسة الفقراء)، لكن العدل في توزيع الموارد هو أمر لا يعترض عليه أحد علنًا.
لماذا قد يكون الدخل الأساسي الشامل فكرة سيئة؟
نظرًا لقصور شبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة، تكتسب المقترحات التي تنادي بضمان دخل أساسي شامل قدرًا متزايدا من الشعبية. فقد اتسعت الفجوة بين الأغنياء وبقية السكان بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويخشى كثيرون أن تزيد الأتمتة (التشغيل الآلي) والعولمة هذه الفجوة اتساعًا.
إذا كان الاختيار الوحيد بين الإفقار الجماعي والدخل الأساسي الشامل، فمن المؤكد أن الدخل الأساسي الشامل هو الأفضل. فمثل هذا البرنامج من شأنه أن يسمح للناس بإنفاق أموالهم على ما يعتبرونه الشيء الأعظم قيمة، أيًا كان. ومن شأنه أيضا أن يخلق حِسًا أعمق بالملكية وجمهورا من الأنصار لزعزعة أركان النظام الذي يقوم على سياسة الأموال الضخمة.
لكن الدخل الأساسي الشامل فكرة معيبة، خاصة وأنه باهظ التكلفة، ما لم ترافقه تخفيضات عميقة لبقية مكونات شبكة الأمان. في الولايات المتحدة (عدد سكانها 327 مليون نسمة)، تبلغ تكلفة الدخل الأساسي الشامل بقيمة 1000 دولار فقط شهريا لكل فرد نحو 4 تريليون دولار سنويا، وهو ما يقرب من الميزانية الفيدرالية بأكملها في عام 2018.
وبدون توفير كبير في التكلفة، لابد أن تتضاعف الإيرادات الضريبية الفيدرالية على مستوى الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يفرض تكاليف تشويهية هائلة على الاقتصاد. فلا يمكن تمويل الدخل الأساسي الشامل بدين حكومي أو عملة مطبوعة حديثا.
الواقع أن التضحية بكل البرامج الاجتماعية الأخرى من أجل الدخل الأساسي الشامل فكرة مفزعة. ذلك أن سبب وجود هذه البرامج يتلخص في معالجة مشاكل محددة، مثل ضعف كبار السِن، والأطفال، والمعوقين. تخيل أنك تعيش في مجتمع حيث لا يزال الأطفال يتضورون جوعا، وحيث يُحرَم من يعانون من ظروف صحية قاسية من الرعاية الكافية، لأن كل إيرادات الضرائب تذهب لإرسال شيكات شهرية لكل مواطن، بما في ذلك أصحاب الملايين والمليارات.
إذا كنت تسأل كيف سيتضور الأطفال جوعًا ويُحرم المرضى من العلاج في ظل دخل ثابت يحصلون عليه شهريًا، سنخبرك ببساطة أن السوق سيعيد تشكيل نفسه وتتغير نسب التضخم من جديد بشكلٍ يجعل هذا المبلغ بلا فائدة فقط لأنه يوزع على الجميع.
رغم أن "الدخل الأساسي الشامل" يصلح كشعار جيد، فإنه يترجم إلى سياسة رديئة التصميم. تشير النظرية الاقتصادية الأساسية ضمنا إلى أن الضرائب على الدخل تُعَد مشوِّهة لأنها تثبط العمل والاستثمار. علاوة على ذلك، ينبغي للحكومات أن تتجنب التحويلات إلى نفس الأشخاص الذين تحَصِّل منهم الإيرادات، لكن هذا هو على وجه التحديد ما سيفعله الدخل الأساسي الشامل.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تدفع نحو ثلاثة أرباع الأسر على الأقل بعض الضرائب على الدخل أو الرواتب الفيدرالية، بل وتدفع حصة أكبر من ضرائب الولايات.
فضلا عن ذلك، هناك سياسات أكثر عقلانية مطروحة بالفعل: ضريبة الدخل السلبية، أو ما يسمى أحيانا "الدخل الأساسي المضمون". فبدلا من إعطاء كل شخص 1000 دولار شهريا، لا يقدم برنامج الدخل المضمون التحويلات إلا إلى الأفراد الذين يقل دخلهم الشهري عن 1000 دولار، مما يجعل تكلفته بالتالي مجرد جزء ضئيل من تكلفة الدخل الأساسي الشامل.