التجسس الاقتصادي سلاح المستقبل... حروب وصراعات تحدث لن تسمع عنها بالأخبار
نشر مركز "ستراتفور" للدراسات الإستراتيجية والأمنية، تقريرًا يستعرض فيه حقائق لافتة متعلقة بالتجسس الاقتصادي الذي تواجهه الولايات المتحدة حاليًا.
مع سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. وقد جعلها هذا الصعود بالتدريج أبرز أهداف التجسُّس الاقتصادي في أوائل القرن الحادي والعشرين من جانب البلدَين الرئيسَيْن الَّلذين يسعيان إلى تقويض قوتها المتزايدة، وهما: روسيا والصين.
ونتائج هذا التجسس وهذه الصراعات التي تحدث من وراء الستار ويغفلها الإعلام، قد تودي بدولة عظمى كالولايات المتحدة إلى مآلات خطيرة، وتكون طعنة قاسية تتلقاها في الظهر.
أولًا: ما هو التجسس الاقتصادي؟
يعرف الخبراء التجسس الاقتصادي بأنه الاستهداف غير القانوني والسرقة للمعلومات الاقتصادية القومية الهامة. وقد يشمل التجسس الاقتصادي الاستيلاء السري أو السرقة الصريحة لمعلومات تخص الملكية لا تُقدّر بثمن في عدد من المجالات بما فيها التكنولوجيا والتمويل والسياسة الحكومية.
خطورة التجسس الاقتصادي:
تنفق الدول المليارات لتطوير قطاعات التكنلوجيا والعلوم والسلاح بهدف دعم اقتصادها والحفاظ على هيبتها، وتبذل الغالي والنفيس في تنشئة وتدريس عقول قادرة على تنفيذ هذه المهمة الصعبة.
بينما تستطيع الدول المتورطة بالتجسس أن تحصل على هذه المعلومات على طبقٍ من ذهب، بدون هدر أي موارد أو صرف أموال لمشاريع قد تنجح نادرًا وتفشل غالبًا.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط، فالدولة التي كشفت أسرارك العلمية والتكنلوجية والاقتصادية في عصرٍ أصبحت الحروب فيه تدور حول هذه المجالات، ستتمكن بسهولة من إيجاد الخاصرة الهشة لأمتك واستهدافها من أسوء نقاط ضعفها.
ناهيك عن أن وقوع المعلومات في يد دول قادرة على تطويرها والاستفادة منها، قد يرمي بكل جهود الدولة المستهدفة للريادة في مجالٍ ما في مهب الرياح.
كشف تورط الصين بسرقة معلومات لا تقدر بثمن:
يؤكد التقرير أن جمهورية الصين الشعبية بالاشتراك مع وزارة أمن الدولة، قد تورطت في عشرات الاتهامات المتعلقة بسرقة أسرار تجارية في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.
وفي الحقبة بين عامي 1996 و2019، استفادت الصين من 66 قضية (32%) من أصل 206 قضايا اتحادية أمريكية تنطوي على تُهَم تتعلق بقانون التجسُّس الاقتصادي الصادر عام 1996. واحتلت الصين المرتبة الثانية بعد الشركات الأمريكية الأخرى، المسؤولة عن 76 من قضايا عام 2016 (37%) على مدار المدة ذاتها.
وفي إطار زمني أكثر حداثة، أي في المدة بين عامي 2016 و2019، كانت الصين مسؤولة عن نصف جميع التهم المتعلقة بالتجسُّس الاقتصادي (18 من أصل 36 قضية).
وأوضح "كريستوفر راي"، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أن الحكومة الأمريكية تنظر إلى التجسُّس الصيني بوصفه تهديدًا خطيرًا ومتزايدًا. وخلال تصريحاته العامة التي أدلى بها في عام 2020، أشار راي إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يفتح قضية مكافحة تجسُّس جديدة متعلقة بالصين كل 10 ساعات في المتوسط، وأن الصين متورطة في نصف ما يقارب 5 آلاف قضية نشطة جارية لمكافحة التجسُّس يحقق فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي ابتداء من عام 2020.
وألمح "راي" إلى أن هذا مثَّل زيادة في عدد القضايا بنسبة 1.300% على مدار العقد الماضي. وينوِّه التقرير إلى أن التأثير الاقتصادي كبير أيضًا: إذ قدَّر الباحث نيكولاس إفتيمياديس (المهتم بشؤون الاستخبارات الصينية) أن نشاطات التجسُّس الاقتصادي الصيني تسبَّبت في خسائر تبلغ قيمتها 320 مليار دولار سنويًّا ابتداء من عام 2018، أو 80% من إجمالي تكلفة سرقة الملكية الفكرية للولايات المتحدة، والتي يُقدِّرها مدير الاستخبارات الوطنية بحوالي400 دولار؛ أي مليار دولار سنويًّا.
واستحدثت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من السياسات، التي تتراوح بين عقوبات وقيود مفروضة على الطلاب والبرامج الصينية، التي تهدف إلى تحديد التجسُّس الاقتصادي ومنعه. ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن التدابير الوقائية ستؤدي في أحسن الأحوال إلى إبطاء نَقْل التكنولوجيا.
وطبَّقت الصين والمملكة المتحدة تدابيرَ صارمة لردع النقل غير المشروع للتكنولوجيا: إذ هدَّدت الصين بقتل منتهكي هذه التدابير، وحظرت المملكة المتحدة سَفَر الحرفيين في بعض المهن. ولكن حتى ذلك الحين، خرجت الأسرار إلى العلن.
ومن الصعب إيقاف الموجة الحالية من التجسُّس الاقتصادي الذي تقوده الصين ويستهدف الولايات المتحدة نظرًا إلى أن العلاقات التجارية ذات الأهمية الإستراتيجية بين البلدين تُسهِّل تدفُّق المعلومات وتجعل سياسات مكافحة التجسُّس مُكلِّفة للغاية.
وأجرت الولايات المتحدة تداولات بلغت قيمتها 558 مليار دولار في البضائع مع الصين في عام 2019؛ وستضطر أي سياسة تهدف إلى مكافحة التجسُّس الاقتصادي إلى مراعاة الحقائق الاقتصادية لضرورة الاستمرار في التعامل مع الصين.
التجسس الاقتصادي لصالح روسيا:
يعتقد الكاتب أن روسيا تشكل بدورها تهديدا كبيرا للملكية الفكرية في قطاع التكنولوجيا، وذلك مع استمرارها في تعزيز قدراتها في هذا المجال.
في الواقع لقد اعتمد الاقتصاد الروسي تاريخيًا على قطاع الطاقة، وتقدر وزارة الموارد الطبيعية والبيئة أن الموارد الطبيعية (معظمها من النفط والغاز) تشكل 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل مبيعات الطاقة 80% من صادرات روسيا.
لكن انهيار أسعار النفط في 2020 وتزايد الشكوك بشأن اعتماد أوروبا على الواردات الروسية، جعل موسكو تدرك أهمية تنويع مواردها بعيدا عن الطاقة. وقد بدأت الحكومة الروسية تروّج بشكل كبير لأهمية الخدمات التكنولوجية باعتبارها صناعة مربحة ومتنامية، ولكن دون نجاح يذكر، يقول الكاتب.
ومع نهاية عام 2020، شكل قطاع تكنولوجيا المعلومات في روسيا 8% من سوق الأسهم، مقارنة بـ27% في الولايات المتحدة و17% في اليابان.
ويعتقد الكاتب أن ذلك سيجعل موسكو تعتمد على التجسس الاقتصادي لدعم قطاع تكنولوجيا المعلومات الذي يعيش وضعا صعبا في ظل العقوبات والضغط الديمغرافي وهجرة الأدمغة.
وفي شهر فبراير/شباط 2021، اتهمت السويد أحد مواطنيها، وهو مستشار تقني، بتمرير أسرار تجارية، منها شفرات خاصة بشركتي "سكانيا" (scania) و"فولفو" (volvo)، إلى دبلوماسي روسي مقابل عدة آلاف من الدولارات.