أزمة الشحن البحري التي جعلت العالم فريسة للتضخم... كل ما ستود معرفته بدون تعقيد
عندما نتحدث عن قطاع الشحن فلا بد من الإشارة إلى أنه مؤثرٌ مباشرا في حياة الأفراد والمجتمعات، بداية من تفاصيل إفطارك في الصباح وصولاً إلى مكونات صواريخ الفضاء. والمقصود هنا ليس الشحن بشكل عام، وإنما صناعة الشحن البحري بالأخص، التي تعاني من أزمة عميقة ومركبة منذ شهور طويلة، تسببت في تغذية معدلات التضخم حول العالم وزيادة في أسعار السلع وإرباك الاقتصاد العالمي.
لا نبالغ حين نقول إن %90 من تجارة البضائع العالمية تتحرك عبر المياه الدولية، وتقدر قيمة هذه البضائع بنحو 11.1 تريليون دولار سنويا حتى 2019، أما الشحن البري والجوي فنصيبه هو عبارة عن الـ 10% المتبقية فقط.
هل أصبح اعتمادنا على النقل البحري مبالغًا به؟
كانت القدرة الاستيعابية لأول سفينة حاويات في العالم لا تتجاوز حاجز 58 حاوية فقط، أما الآن فتصل قدرة السفن علي حمل الحاويات إلى رقم يتجاوز عشرين ألف حاوية وربما أكثر للسفينة الواحدة وكأنها جبل متحرك، مثل سفينة "ايفرجيفن" الغنية عن التعريف التي تسببت بانسداد المجرى الملاحي لقناة السويس المصرية مارس الماضي.
تقول "لوري آن لاروكو" مؤلفة كتاب "الحرب التجارية": نحن جميعاً متصلون ببعضنا البعض بشكل ما، لو فشل ميناء كبير، سيؤثر على كل أطراف اللعبة"، لذا الأمر معقد للغاية، تعطل ميناء رئيسي سوف يربك التجارة العالمية، انسداد مجرى قناة السويس يربك التجارة العالمية، الكثير والكثير من الاحتمالات التي من الممكن أن تحدث في أية لحظة وتتسبب في ضربة كبيرة لصناعة تؤثر على حياتنا اليومية بشكل كبير ومباشر.
شركات النقل البحري تربح لكنها لا تنجح!
يدور حول العالم ما إجماليه 5446 سفينة حاويات، تحمل ما في مجموعه 25 مليون حاوية، ومالكو هذه السفن بالتأكيد سعداء بأرباح الفترة الحالية التي جنتها شركاتهم وخطوطهم الملاحية نتيجة ارتفاع أسعار الشحن البحري العالمية، لكن تحقيق الشركة للربحية لا يعني أنها تسير في مسار سليم وآمن ومستدام.
يتفق "نيل هوبت" المتحدث باسم تحالف "هاباج-لويد" Hapag-Lloyd مع وجهة النظر هذه ويقول: "نحن بالتأكيد سعداء للغاية بالأرباح هذا العام، هذه أول مرة منذ عشر سنوات تحقق صناعة الشحن البحري كل هذه المليارات من الأرباح، لكن بالطبع مسألة الاعتمادية هنا في خطر، التسليم في الموعد والتأخير في جداول الاستلام والتسليم أمر محبط للغاية، المستهلكون والزبائن المستوردون والمصدرون لدينا منزعجون لأن التأخير الطويل في الشحن يعني تكاليف أكبر، لذا نحن في موقف صعب ومعقد".
أهم أسباب أزمة الشحن البحري:
السبب الأول: الطلب الذي كان مكبوتاً أثناء الفترة الأولى للجائحة بدأ في الخروج للسطح، مع انحسار موجة الخوف من المجهول والتحوط من المستقبل، فحدث ارتفاع كبير في الطلب على السلع أكبر من القدرة على استيعابه ومعالجته.
السبب الثاني: طواقم العمل في السفن والموانئ التقطوا عدوى "كورونا" وتحوراته، وبالتالي أصبح الكثير من سفن الشحن أو الموانئ خاضعة للحجر الصحي، وبالتالي متوقفة عن العمل.
السبب الثالث: حادثة "ايفرجيفن" وانسداد المجرى الملاحي لقناة السويس فاقم من أزمة الشحن التي تعاني أصلاً من مشاكلها الأخرى.
السبب الرابع: فيضانات الصين وأوروبا -ورغم أن هذا عامل استجد مؤخراً من فترة قصيرة- لكن بعض المسؤولين في شركات شحن عالمية يرون له انعكاساً سلبياً على سلاسل التوريد العالمية.
متى ستظهر بوادر الانفراج؟
من المفترض أن يتم احتواء الطلب المكتوم والكبير الذي يحدث بداية من 2022، مع بداية تخفيف البنوك المركزية لبرامج الدعم والتيسير والتدخل بالأسواق والأموال والشيكات المجانية.
كل هذه الأموال حين تُسحب من الأسواق وتعود مستويات التوظيف لسابق معدلاتها الطبيعية، بالتزامن مع تحسن الأنشطة وأعمال الشركات والقطاع الخاص، وقتها علينا أن ننتظر الوصول إلى نقطة التوازن، ومن المرجح بلوغها بحلول نهاية 2021 أو حتى الربع الأول من 2022.