التقليد ليس دائمًا سيئًا... كيف تقلد مشروع ناجح بشكل صحيح؟
لا بد من الاعتراف أن كلمة التقليد لها وقع سيء بالنسبة للكثير من الناس، وذلك بسبب المفاهيم السائدة حاليًا التي تشجع الابتكار وتفضله على التطوير والتقليد. لكن العديد من الخبراء والعلماء لا ينظرون للتقليد بشكل سلبي، بل بالغ بعضهم بالأمر ليعتبر أن مصطلحات مثل الابتكار والبدء من الصفر هي أمور مثالية أكثر من اللازم ولا وجود لها في الحياة الواقعية، فكل معارف البشر في هذه الدنيا مبنية بشكل تراكمي وعلى أساس التقليد.
في حال أنك لا زلت مصرًا على اعتبار التقليد فكرة غير لائقة وغير مجدية إليك الأمثلة التالية:
جوجل وياهو ومايكروسوفت جميعهم مقلدين بعض في خدمة البحث.
نفس الشيء ينطبق على الشركات التي تقدم برامج المحادثة: عشرات البرامج الشهيرة تقلد بعضها وتنسخ ميزات بعضها بدون أن يعتبر الأمر غير لائقٍ أو يخشى أحدهم من الفشل.
بالمثل في مواقع التجارة الالكترونية: مثل امازون وايباي وعلي بابا وغيرهم، كلهم يقدمون نفس الفكرة في البيع والشراء.
هذه أمثلة تغطي غيضًا من فيض، ولو أردنا التوسع لما كفى المقال بأكمله لتغطية موضوع تقليد الشركات العالمية لبعضها. إذن فالتقليد بحد ذاته ليس بالأمر السيء، لكن بضوابط وشروط...
ابحث عن سوق مناسب للمشروع:
الخطوة الأولى في تقليد مشروع مناسب هي أن تبحث عن سوق مناسب له. على سبيل المثال ليس من المنطقي افتتاح محل بيع حلويات فخمة في حي شعبي أو فقير، وبالمثل ليس من المنطقي افتتاح متجر إلكتروني في بلد يعاني من تردي البنية التحتية لخدمة الإنترنت.
لذا فالأهم وجود سوق يستطيع تقبل مشروعك وتحريك عجلة العمل الذي ستبدأ به، فإذا توفر هذا الشرط يمكنك حينها الانتقال إلى الخطوة التالية.
إيجاد الفجوة بين العرض والطلب:
إذا أردت تقليد مشروعٍ ما فهذه الخطوة هي أول ما يجب عليك دراسته حتى لا تجد مشروعك مسحوقًا أمام من تقلد. مهما كان المشروع الذي ترغب بتقليده ضخمًا وقويًا لن يستطيع كفاية حاجة السوق بنسبة 100%، وذلك لعدة أسباب، أبرزها أنه قد يقدم خدماته بسعر غير مناسب لكامل السوق، أو أنه يرغب بالتركيز على شريحة محددة يعتقد أنها ستحقق له الربح الأكبر في هذا المجال.
لنأخذ مثالًا من الواقع: سامسونج شركة عملاقة في مجال الجوالات وهي توفر تنوعًا كبيرًا للغاية وتهيمن أجهزتها على أسواق الجوالات في كل مكانٍ تقريبًا. في المقابل نرى بعض الشركات الصينية (شاومي مثلًا) تناطح أمام سامسونج ببسالة، وتفرض نفسها على السوق بشكلٍ أو بآخر، والسبب هنا ليس عيبًا في سامسونج، إنما كل ما في الأمر أن سامسونج بكل ما تملك تبقى مقيدة بأسعار ومواصفات ونطاقات ربح محددة ولا ترغب بكسر أسعارها فقط لترضي بعض الدول الفقيرة والنامية، وهذا ما خلق للشركة الصينية سوقًا لن تستطيع أي شركة أمريكية أو كورية منافستها فيه.
فجوة رضا المستهلك عن المنتج:
قد تسيطر شركة ما على سوق أحد المنتجات وتفرض نفسها على المستهلكين، ليبان أمام من يرغب بمنافستها أنه لا يمتلك أي أمل بالفوز. لكن الأمر عكس ذلك، إذ ستوجد على الدوام شريحة من المستهلكين تبحث عن ميزة في المنتج أو الخدمة لا تستطيع أن توفرها الشركة العملاقة، وهنا يأتي دور المنافسين.
مثال افتراضي لتبسيط الفكرة: يسيطر مطعم معروف بطعامه اللذيذ وأسعاره المقبولة على سوق الوجبات الجاهزة في أحد الأحياء، لكن الفجوة في عمله أنه لا يمتلك خدمات توصيل كافية لتلبية حاجة العملاء بسرعة. بالتالي أي مطعم آخر سيستطيع سد هذه الفجوة وتقديم الحد الأدنى من شروط رضا العميل سيمتلك فرصة قوية للنجاح في هذا الحي.
ابدأ من حيث انتهى الآخرون:
عندما تريد أن تقلد مشروعًا ما، فأسوء ما يمكنك فعله أن تبدأ من الصفر. ننصحك بدراسة المشروع الذي ترغب بتقليده جيدًا والبحث عن النقاط القابلة للتطوير والتحديث، من ثم اصنع نسختك الخاصة المحدثة من هذا المشروع، وحينها ستزيد فرصتك بالنجاح.
لماذا لا أبدأ مشروعي الخاص من الصفر؟
في هذا المقال لا نحاول أن نشجعك على التقليد، أو ننفرك من البدء بمشروع من الصفر مع فكرة مبتكرة. لكن يجب عليك أن تدرك أن المشروع الجديد سيحتوي عدد كبير من المتغيرات التي من الصعب التعامل معها وستجد نفسك أمام تحدٍ صعب للغاية.
على سبيل المثال: كان يعتقد أحمد أنه مشروعه الخاص بتصاميم البيوت على الطريقة الغربية سيلقى نجاحًا غير مسبوق، فلا أحد من المعماريين قد سبقه لهذه الفكرة في المنطقة. لكن ومع الأسف واجه مشروع أحمد فشلًا ذريعًا، وكانت الأسباب كما يلي:
- لم يكن الناس مستعدون لتقبل تصميمات محروفة لبيوتهم وتجربة الجديد، ولم يكن لدى أحمد الميزانية الكافية للترويج لهذه التصاميم بالشكل المطلوب.
- كانت الطراز الجديد من التصميم يكلف أموالًا أكثر، وهو أمر لم يحبذه أغلب الناس في منطقة تكثر فيها الفئة المتوسطة.
- لم تكن لدى أحمد تجربة كافية على أرض الواقع بالنسبة لهذا النوع من التصاميم، ورغبته بتجربة الجديد جعلت مشاريعه تأخذ وقت أكثر من اللازم مع عدم وجود أحد لاستشارته (على عكس المشاريع التقليدية التي يعمل بها الكثير في المنطقة ويتبادلون الخبرات).
- لم يجد أحمد الكثير من المقاولين والمهندسين المستعدين للتعاون معه في هذا المشروع، فلا أحد يرغب بإحراج نفسه بتجربة أمر لا خبرة له فيه.