أمريكا أم الصين... من منهما الأقدر على هزيمة الآخر؟ الإجابة لا تحمسها الجيوش فقط
في عصرنا الحالي، أصبحت المقارنة بين الصين والولايات المتحدة مجالًا بحد ذاته يتم دراسته وتدريسه في المعاهد البحثية، ونرى هذه المقارنات تزداد بروزًا بعد أن سار الرئيس "جو بايدن" على درب سلفه "ترامب" في اعتبار بكين العدو الأول لواشنطن.
لذلك فبسبب معطيات عديدة يمكن القول إنه قد ارتفعت وتيرة احتمالات وسيناريوهات المواجهة الافتراضية بين القوتين العظميين حالياً.
في هذا السياق نشر موقع The National Interest الأمريكي تحليلاً عنوانه "هل يمكن أن تُهزم أمريكا من قبل الصين؟"، أعده "كيشور مهباباني"، الباحث الكبير في معهد أبحاث آسيا في جامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلف كتاب "هل فازت الصين؟ التحدي الصيني للهيمنة الأمريكية".
الصين تنهض من "قرن الذل":
شهد العقد الماضي تغيرًا جذريًا في نظرة الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص لجمهورية الصين، إذ لم تعد بكين مجرد حصان الجرِّ الهادئ للاقتصاد العالمي، بل أصبحت الصين الآن المنافس العالمي الرئيسي للولايات المتحدة وحلفائها. وكان "ينس ستولتنبيرغ"، الأمين العام لحلف الناتو، قد عبر عن ذلك العام الماضي بقوله: "لقد ولَّى منذ زمن طويل الوقت الذي كانت عبارة "صُنِع في الصين" تُطلَق باعتبارها مزحة".
وكان أبرز مؤشرات التحول في النظرة الغربية للصين هو السعي الدؤوب من جانب معاهد الأبحاث الاستراتيجية والجيوسياسية، لدراسة وفهم ما حققته الصين من معجزة ضخمة في مجال الاقتصاد تحديداً، وتوصلت كثير من تلك الدراسات إلى أن "دينغ شياو بينغ" الذي قاد الصين في ثمانينيات القرن الماضي قد تمكن من فهم وحل أحد القيود الرئيسية للاقتصاد السياسي: كيف تنجح في تنمية اقتصادك دون التخلي عن سيادة دولتك؟ وكيف أن الصين قد درست تاريخها جيداً، ووظفت مصادر قوتها لتضمن عدم تكرار "قرن الذل" الذي تعرضت له على أيدي اليابان والقوى الغربية من قبل.
والآن قد يكون "شي جين بينغ" هو الرئيس، لكنَّه ورث الهياكل المؤسسية والأيديولوجية التي بناها "دينغ شياو بينغ"، وهي الهياكل التي وضعت الأساسات لموقف القوة الحالي لبكين، ولم تكن من قبيل الصدفة، فقد تمكنت الصين من بناء اقتصاد ضخم تخطى اقتصاد الولايات المتحدة نفسها، بحسب بعض التقارير، وعلى أقل تقدير أصبح الآن على قدم المساواة.
من الأقوى عسكريًا؟
صرح وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" قبل فترةٍ وجيزة بأن بلاده ركزت على الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، بينما ركزت الصين على تحديث قوتها العسكرية، مضيفًا: "سوف نحافظ على تفوقنا العسكري، وسوف نرفع من حجم هذا التفوق من الآن وصاعداً".
وعلى هذا المنوال تقريباً لا يمر يوم واحد دون أن يخرج تصريح عن مسؤول بارز، أو يُقدم تقرير إلى الكونغرس أو وزارة الخارجية الأمريكية، محذراً من خطورة التهديد الذي تمثله الصين للولايات المتحدة، وحتمية تكثيف الاستعداد العسكري من جانب الأمريكيين للتصدي لهذا التهديد.
لكن عددًا من المحللين، أغلبهم أمريكيون وغربيون، يعتقدون أن ذلك التوجه نحو تهويل القوة العسكرية للصين تفنده الحقائق المجردة، وهذا ما عبر عنه "فريد زكريا" في مقالٍ نشرته واشنطن بوست مؤخراً، رد فيه على تصريحات أوستن الخاصة بقوة الصين العسكرية.
وكتب زكريا: "ما يسميه أوستن تفوقاً عسكرياً على الصين هو في حقيقة الأمر هوة سحيقة بين الطرفين. تمتلك الولايات المتحدة رؤوسا نووية تزيد بعشرين ضعفاً عما تمتلكه الصين، كما تمتلك ضعف السفن الحربية أكثر من الصين، وتمتلك واشنطن 11 حاملة طائرات، تعمل بالطاقة النووية، مقابل حاملتي طائرات فقط لدى بكين (أقل تطوراً بكثير)."
"ويمتلك الجيش الأمريكي أكثر من ألفي مقاتلة متطورة مقابل نحو 600 مقاتلة فقط يمتلكها الجيش الصيني. وتنشر القوات الأمريكية تلك القوة المسلحة الفتاكة حول العالم من خلال نحو 800 قاعدة عسكرية، مقابل 3 قواعد فقط تمتلكها الصين خارج أراضيها. وتبلغ الميزانية العسكرية للصين نحو 200 مليار دولار، وهو رقم أقل من ثلث ميزانية الدفاع الأمريكية".
التفوق العسكري ليس كل شيء:
يرى خبراء غربيون أن هذا التفوق الأمريكي الكاسح من حيث القوة العسكرية ليس هو فقط سبب ثقة الأمريكيين في استحالة أن يتعرضوا للهزيمة على أيدي الصينيين، بل يضاف إليه عنصر آخر أكثر أهمية، يتعلق "بالتفوق الأخلاقي" للنظام الأمريكي، ما يجعل "النموذج الأمريكي" أكثر قدرة على جذب الحلفاء حول العالم.
والمقصود هنا ليس "التفوق الأخلاقي" بالمعنى الحرفي للمصطلح، لكن المقصود القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يرفعها الأمريكيون شعاراً لنظامهم الديمقراطي، وهو ما يجعل الأمريكيين بشكل عام يشعرون بالتفوق المطلق على الصين من حيث نظام الحكم هناك، الذي يقوده نظام الحزب الواحد والحكم الديكتاتوري البوليسي.
في الاتجاه المقابل يرى أصحاب الرأي الآخر أن "كذبة التفوق الأخلاقي الأمريكي" قد فُضحت وانكشفت منذ زمن، وما تقدمه أمريكا للعالم ليس أكثر من الحروب والدمار والاستعباد الحديث.
لكن إذا كنا سنعمد إلى مقارنة سريعة، فيمكن القول إن النظام الصيني الديكتاتوري والفاشي هو بالفعل نظام منفّر وغير محبذ بالنسبة لأغلب شعوب العالم، لذلك فإن البعض يصر أن نموذج الحكم الصيني هو أمر مناسب للصين فحسب ومن الصعب للغاية تحويله إلى نظام هيمنة عالمي. على عكس المبادئ الأمريكية، التي وإن كانت مبادئ فاسدة بالنسبة للكثيرين، لكن أمريكا نجحت في جعلها غاية عليا للعديد من شعوب العالم.