قصة المشروع الفاشل الذي أصبح وصمة عار في تاريخ الصناعة الألمانية

من المعروف عن ألمانيا أنها تتمتع بسمعة عريقة حين يتعلق الأمر بكفاءة العمل والالتزام بالمواعيد، فالصناعة الألمانية رائدة على مستوى العالم في الكثير من المجالات. إلا أن سمعة ألمانيا تلطخت بشكل لا يمكن التغاضي عنه بسبب أحد مشاريعها الضخمة الذي وقفت أمامه طوال 3 عقود من الزمن عاجزةً عن إنجازه.

المشروع الذي سيصبح محور حديثنا في هذا المقال هو "مطار برلين براندنبورج الدولي"، والذي كان من المفترض أن يصبح أكثر مطارات ألمانيا اكتظاظًا، ولكنه حتى العام الماضي ظل يُعتبر واحداً من أكثر المشاريع الضخمة الفاشلة إثارةً للدهشة في التاريخ الحديث. فمن النادر رؤية مشروع بهذا الحجم يفشل، خصوصًا في ألمانيا.

بدايةً، ادعت الشركة المسؤولة عن المشروع بأنه سيتم افتتاحه في تشرين الأول 2011 قبل أن يتم تأجيله إلى حزيران 2012 ثم إلى تشرين الأول 2013 ثم إلى حزيران 2017 ثم إلى 2018.

 وأخيراً بعد انتظار دام سنوات، وتكاليف إضافية وانتقادات، تم افتتاح المطار الجديد في العاصمة الألمانية، في تشرين الأول 2020، لكن دون ضجةٍ كبيرة، وبكثيرٍ من الخجل.

الشيء المثير للتعجب في هذا المشروع، أن مرحلة دراسة الجدوى والتخطيط والإعداد استغرقت حوالي 15 عاماً. فالمشروع الذي بدأ الإعداد له منذ التسعينيات لم يجرِ البدء في تنفيذه إلا في عام 2006، وكان من المفترض أن يُنجز في غضون 5 سنوات، وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

هكذا بدأت القصة:

بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، برزت الحاجة إلى مطار دولي جديد، وذلك لأن المطارات الثلاثة التي كانت تمتلكها العاصمة – "تيجل" و"شونفيلد" و"تمبلهوف" – في ذلك الوقت كانت قديمة وغير قادرة على استيعاب النمو الهائل الذي تشهده حركة النقل الجوي.

وفي عام 2006، أعلنت الحكومة الألمانية عن انتهاء التخطيطات وبدء تشييد مطار جديد اسمه "براندنبورج" ليحل محل مطاري "تيجل" و"شونفيلد".

بدأت شركة "إف بي بي" المديرة للمشروع أعمال الإنشاء على أن يتم افتتاح المطار الجديد في تشرين الأول 2011. ولكن في حزيران 2010، أعلنت الشركة أن الموعد المحدد مسبقاً للافتتاح لا يمكن الالتزام به لأسباب أبرزها إفلاس الشركة المخططة للمشروع، وأنه سيتم تأجيله إلى حزيران 2012.

على أمل صحة التأكيدات الصادرة عن الشركة المنفذة والحكومة حول تاريخ الافتتاح الجديد، بدأت شركات الطيران في تعديل جداولها الزمنية، وخططت لعمليات لوجيستية ضخمة لنقل الكثير من البنى التحتية من المطارين القديمين إلى المطار الجديد في غضون عدة أيام، لضمان عدم انقطاع حركة الطيران من وإلى المدينة. ولكن هيهات... فالمشروع دخل في دوامة لا مخرج منها من التأجيلات والتسويف.

أخطاء تتراكم فوق أخطاء:

مع اقتراب موعد الافتتاح في حزيران 2012، كانت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" تستعد لحضور حفل الافتتاح الذي دعت إليه حوالي 10 آلاف ضيف، والمفاجئة أنه تم التأجيل مرة أخرى بسبب اكتشاف مفتشي السلامة وجود مشاكل بأنظمة الإنذار الخاصة بالحرائق.

لم يكن ليحزن أحد لو أن القصة توقفت على ذلك، لكن اتضح لاحقاً أن مشكلة أنظمة الإنذار لم تكن سوى غيضًا من فيض. فقد اكتُشف أن المطار به عدد هائل من الأخطاء التقنية والهندسية، على سبيل المثال:

  • تم تركيب 90 ألف متر من الكابلات بشكل غير صحيح.
  • تم ترقيم 4 آلاف باب بشكل خاطئ.
  • السلالم المتحركة كانت قصيرة جداً.
  •  وزن السقف كان ضعف الوزن المسموح به.
  • وجوب قطع المئات من الأشجار المزروعة حديثاً، لأنها كانت مخالفة لما خُطط له.
  • كانت الآلاف من المصابيح الكهربائية تعمل دون توقف، لأن مسؤولي المطار لا يعرفون كيفية إيقاف تشغيلها.
  • تم حساب مسارات الطيران بشكل خاطئ.

باختصار، اكتشف المسؤولون أن أعمال البناء فشلت فشلًا فاضحًا في تلبية أبسط المتطلبات التنظيمية، ما يعني أن العديد من العناصر سيتم البدء فيها من الصفر مرة أخرى.

تضاعف التكلفة وتحول المطار إلى محطة سخرية شهيرة:

كل تلك العقبات والفضائح التقنية تسببت في ارتفاع التكلفة المقدرة للمشروع من ملياري يورو في عام 2006 إلى 4.3 مليار يورو في عام 2012، ثم 5.4 مليار يورو في عام 2014، قبل أن تصل إلى 6.9 مليار يورو في 2016. وأخيراً في 2018، أعلِن أن المشروع لا يزال في حاجة إلى مليار يورو إضافية...

عندما وجدت ألمانيا نفسها في موقف حرج للغاية، سواءً من ناحية السمعة المهدورة أو من ناحية التكاليف المتضخمة، قررت أن تستفيد بشكلٍ ما من المشروع الذي أصبح مثالًا للسخرية. فسمحت للسائحين بالقيام بجولة مدتها ساعتان بالدراجات في أرجاء المطار الخالي الذي توفر إدارته أيضاً وجبة غداء مقابل 15 يورو للفرد.