الدول الغنية استحوذت على 85% من اللقاحات... والمشكلة تتجاوز كونها أخلاقية
في وقت سابق من شهر كانون الثاني، أصدر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم غيبريسوس"، تحذيراً صارخاً، وقال إن العالم كان "على شفا فشل أخلاقي كارثي"، حيث كانت الدول الغنية تشتري لقاحات كوفيد-19 المتاحة، تاركة كميات صغيرة للآخرين، وهو إعادة لما حدث خلال جائحة إنفلونزا 2009.
وصرح تيدروس قائلاً: "ثمن هذا الفشل سيتم دفعه من خلال الأرواح وسبل العيش في أفقر دول العالم".
أما الآن فيبدو أنه كان محقاً، خصوصًا بعد أن اتجهت بعض الدول الغنية لتطعيم الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاماً، والأقل عرضة لخطر الإصابة بفيروس كوفيد-19 الشديدة، في حين أن البلدان الفقيرة ليس لديها حتى ما يكفي من اللقاحات للعاملين في مجال الرعاية الصحية.
هذا وتشير أحدث التقديرات إلى أن الدول الغنية حصلت على ما يقرب من 85% من جرعات لقاح كوفيد-19 التي تم إعطاؤها حتى الآن، فيما حصلت الدول الفقيرة على 0.3% فقط، وفق تقرير لمجلة Science العلمية.
ظلم فاضح:
انتقد "غيبريسوس" ما وصفه بـ "الظلم الفاضح" مرة أخرى في خطاب له في 24 أيار. وقال إنه بحلول أيلول، يجب تطعيم ما لا يقل عن 10% من السكان في كل دولة.
الفوارق في الصحة العالمية ليست بالشيء الجديد، فالعلاجات المنقذة للحياة مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة غير متوفرة في أجزاء كبيرة من العالم. وحتى اللقاحات والأدوية التي يكلف إنتاجها بنسات قليلة لا تصل إلى ملايين الأشخاص الذين يحتاجون إليها، حيث لا يزال العالم يسجل ما يقرب من 5 ملايين حالة وأكثر من 80 ألف حالة وفاة كل أسبوع.
المشكلة تتجاوز كونها أخلاقية:
بغض النظر عن الفضيحة الأخلاقية التي يخلفها الأمر، فهناك سبب عملي لمحاولة توزيع اللقاحات بشكل أكثر إنصافاً، إذ لا يمكن لأي جزء من العالم أن يشعر بالأمان إذا انتشر الوباء في مكان آخر، مما يجعل خطر إعادة تفشي الفيروس وتكاثر طفرات فيروسية أكثر فتكًا.
بدوره، يقوم مرفق الوصول العالمي للقاحات والمعروف باسم "كوفاكس " - وهي منظمة غير ربحية - بشراء اللقاحات بكميات كبيرة بسعر مخفض وتوزيعها على البلدان الأكثر شحاً في الموارد. وعلى الرغم من أنه يواجه مشكلة كبيرة الآن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن مورده الرئيسي، وهو معهد الأمصال الهندي، ينقض وعوده بعد تفشي الوباء في ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، إلا أن هناك سبباً يدعو للتفاؤل، إذ سيكون لدى العديد من الدول الغنية قريباً كميات كبيرة من اللقاحات غير الضرورية، قد تصل لنحو مليار جرعة خلال 4 أشهر من الآن.
كما تتزايد الطاقة الإنتاجية بسرعة أيضاً، حيث تشير بعض التوقعات إلى أنه يمكن توفير لقاح كافٍ هذا العام لإعطاء كل شخص في العالم جرعة واحدة على الأقل، على الرغم من أن وصوله إلى كل بلد سيظل تحدياً كبيراً.
أي أن أحسن السيناريوهات القريبة من الواقع تدور حول حدوث فائض في لقاحات الدول الغنية لدرجة تسمح بوصول هذه اللقاحات إلى باقي دول العالم...