في 2021 السمنة لم تعد مقترنة بالثروة... والطعام الرديء يقتل الفقراء

قد تبدو مفارقةً غريبة، لكن السمنة لم تعد مقترنة بالثروة والترف، ولم تعد -كما كانت في الماضي- حكرا على الطبقات الغنية، فالواقع اليوم هو أن السُّمنة تنتشر في المناطق ذات الموارد المحدودة، وخاصة في البلدان النامية، فإذا استثنينا الجوع، تُعَدُّ السُّمنة هي المشكلة الرئيسية المرتبطة بالغذاء في عالم اليوم، ويكمن السبب في أن الطعام الرخيص غالبا ما يكون سيئًا.

السبب الحقيقي للسمنة في المجتمعات الفقيرة:

لا تُمثِّل السمنة مظهرا جسديًا فقط، فهي في الحقيقة مرض يؤثر على نوعية الحياة ويمتد ليؤثر على إنتاجية المجتمع وعلى العمر المُتوقَّع لأفراده. إذ يُعتقد أن السُّمنة تتسبَّب في وفاة 3 ملايين فرد سنويا حول العالم، وهي تضع ضغوطًا كبيرة على خدمات الرعاية الصحية. ومع ذلك، لا يزال الاهتمام بها سطحيا ولا يتجاوز توجيه النصائح إلى الأطفال بعدم الإكثار من تناول الحلوى وإلى كبار بتجنُّب الإفراط في السكريات، بينما يبدو أن السبب الحقيقي أبعدُ من ذلك.

تتعدَّد العوامل المُسبِّبة للسُّمنة بين الجينية والبيئية والاجتماعية والثقافية، لكن العوامل الجينية لا تُفسِّر ارتفاع معدلات السُّمنة في العقدين الأخيرين، فهي لا تتغير بهذه السرعة، والحقيقة أن عوامل عدة أثَّرت على عادات الغذاء في مختلف البلدان خلال تلك الفترة، حيث تغيَّرت خصائص الأغذية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تماشيًا مع التغيُّرات التكنولوجية التي تحدث في الصناعات الغذائية والتسويق والنقل وتدفُّقات رأس المال والخدمات. وكان التأثير الرئيسي لهذه التغيرات هو زيادة الأطعمة المُصنَّعة الرخيصة ذات نِسَب الدهون العالية، مع المزيد من السكر والملح.

تقول المتخصصة في معهد التغذية وتكنولوجيا الغذاء في جامعة تشيلي "سيسيليا ألبالا"، إن أحد أسباب السمنة هو "نقص التغذية قبل الولادة ثم في مرحلة الرضاعة، وما يعقبه من تعرُّض للأنظمة الغذائية الغنية بالدهون التي لا تحتوي على المغذيات الدقيقة الكافية".

في السياق ذاته، تقول "باتريشيا أغيري"، عالمة الأنثروبولوجيا الأرجنتينية في كتابها "غني نحيل وفقير سمين.. أزمة الغذاء"، إن الثلاثين عاما الأخيرة شهدت اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء فيما يتناولونه من طعام، في الماضي كان الجميع يأكلون أصنافا متشابهة، ثم أصبحت الأُسَر ذات الدخل المرتفع تختار بين ما يصل إلى 250 نوعا من الطعام، بينما تختار الأُسَر الفقيرة بين ما لا يتجاوز 22 منتجا غذائيا لا تحتوي على عناصر مثل الكالسيوم والحديد والفيتامينات والمعادن.

ونتيجةً لذلك، فإن الفقراء نادرًا ما يستهلكون الأطعمة مرتفعة الثمن مثل اللحوم الخالية من الدهون ومنتجات الألبان والفاكهة والخضراوات، وبدلا من ذلك، فإن سلة طعامهم تتضمَّن الكثير من المعكرونة والخبز والسكر والمنتجات ذات الدهون العالية، حيث يصبح السعر عاملًا فارقًا عند اختيار وجبات الطعام.

أما الأغنياء في الغالب أكثرُ استعدادًا لدفع المزيد في سبيل تجنُّب الأطعمة المُصنَّعة، وتناول كَميات أقل من منتجات اللحوم الضارة، وتشمل عاداتهم الغذائية تناول الكثيرِ من الفواكه والمواد الغذائية الطازجة، ويُخصِّصون مزيدا من الوقت لممارسة الرياضة وتجنُّب الإجهاد والعناية بالصحة، كما يتجنَّبون الأغذية الرخيصة، ولا ينجرفون للإعلانات عن منتجات الأغذية.

الحصول على الأغذية السيئة بات في متناول الجميع:

علاوةً على كل ما ذكرناه، يبدو أن الحصول على الأغذية السيئة بات ميسورا وفي متناول الجميع أكثر من الحصول على طعام صحي. يمكنك معرفة السبب عبر جولة قصيرة في أحد المحال الكبرى؛ فالمتسوِّق يُواجَه بالكثير من الأصناف اللذيذة من المخبوزات والحلوى، وهي خيار جيد بالنسبة للتجار، إذ يُستخدم في صنعها موادُّ خام رخيصة أساسها الدقيق والسكر، وهي -على عكس الخضراوات والفاكهة- ليست سريعة التلف، ولا تحتاج إلى الثلاجات وطرق التخزين المعقدة التي تستهلك الطاقة، وهي الميزة التي يُفضِّلها المستهلكون أيضا، أن تحتفظ لأيام بالمنتج في منزلك دون أن تخشى من التلف، فضلا عن أنها منتجات لذيذة، تُرسل إشارات لطيفة إلى الدماغ وتُحفِّز شعوره بالسعادة.

هكذا إذن تصبح المخبوزات والحلوى بديلا أرخص وأسهل للكثيرين، رغم أن استهلاكها يؤدي إلى سوء التغذية، فهي لا تتضمَّن العناصر الغذائية التي يقوم عليها نظام غذائي صحي، كما أنها تُنتج الطاقة الفائضة أو ما يُعرف بـ "السعرات الحرارية الفارغة" التي تتميز بمحتوى الطاقة نفسه الموجود في السعرات الحرارية الأخرى لكنها لا تحتوي على القدر نفسه من الفيتامينات والمعادن والألياف ومضادات الأكسدة، بما يعني أنها تتسبَّب في زيادة الوزن مع سوء التغذية في الوقت نفسه، وحين تتعدَّى هذه المشكلة المستوى الفردي تُمثِّل عبئًا على المجتمع الذي يكون عليه أن يُقدِّم الرعاية الطبية لعدد كبير من أفراده يعانون أمراضا مثل السُّمنة ومرض السكري إلى جانب أمراض أخرى ترتبط بسوء التغذية مثل فقر الدم، فليس البذخ إذن هو سبب السُّمنة ولكن نقص الموارد والمعلومات.

مشكلة مجتمع وليست مشكلة أفراد:

ما يزيد الأمر سوءً هنا أن السمنة تُعامل على أنها مشكلة تتعلق بالفرد أو الأسرة وليست مشكلة اجتماعية، وبالتالي توضع حلول فردية للمشكلة بينما سيكون التعامل معها باعتبارها مشكلة اجتماعية فارقًا في وضع حلّ فعّال لها.

يقول "مارتين كوهين"، الباحث الزائر في الفلسفة بجامعة هارتفوردشير: "تخيَّل ما كان يمكن أن يحدث في العصر الفيكتوري مثلا لو جرت معالجة مرض التيفود عن طريق تشجيع الناس على العيش في الريف بالقُرب من آبار المياه النظيفة بدلا من بناء شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه"، مُشيرا إلى أن استجابتنا للوباء الذي أصبح السبب الخامس للوفاة في العالم -أي السُّمنة- لا تزال مجرد وهم.

المصدر: الجزيرة نت (ميدان)